في قَلْب المعركة المالية العالمية، تتحرَّك الصين بهدوء.
بدون ضجيج، ولا تصريحات نارية، لكنْ خطوات محسوبة تُعِيد رَسْم خريطة النفوذ الاقتصادي العالمي. اليوان الرقمي ليس مجرد عملة إلكترونية جديدة. بل هو مشروع جيوسياسي يهدف لتقليص هيمنة الدولار على التجارة الدولية.
بكين استوعبت الدرس من العقوبات على روسيا وإيران وفنزويلا، وكيف استخدمت أمريكا نظام سويفت كسلاح سياسيّ يَعْزِل المخالفين عن النظام المالي العالمي. لذلك جاء إطلاق اليوان الرقمي للاستخدام المحلي بدايةَ الأمر، واليوم تَدْرس إصدار عملات رقمية مستقرَّة مدعومة باليوان، خطوة أبعد من النسخة الداخلية، تُمَهِّد لتداول عالمي يتجاوز سويفت والعقوبات المالية، ويمنح بكين المرونة في إدارة رأس المال.
لكنَّ الواقع أكثر تعقيدًا من الطموحات.
داخل الصين نفسها، الاعتماد على اليوان الرقمي ضعيف. المواطنون يُفضِّلون استخدام Alipay وWeChat Pay؛ لأنها أسهل وأسرع وأكثر تكامُلًا مع حياتهم اليومية.
التحدّي الأكبر مُرتبِط بسياسة الصين تجاه العملات الرقمية. بكين حَظَرَت بعض العملات الرقمية وشَدَّدَت الرقابة على التعدين والتداول.
السؤال هنا: كيف تحارب الصين البيتكوين والعملات المشفَّرة بقُوَّة، ثم تُصْدِر عُملة رقمية جديدة؟
عالميًّا، التحديات أعْقَد. كلّ دولة لديها قواعدها اللي بتنظم العملات ورأس المال، وقبولها لليوان الرقمي يتطلَّب مفاوضات طويلة وضمانات مُتعدِّدة. وفوق كلّ ذلك، يظل عَامِل الثقة هو الحَاسِم. كثير من الدول تخشى أن يصبح اليوان الرقمي وسيلة رقابة صينية، وبناء الثقة في عالم المال يحتاج مدة زمنية وشفافية كبيرة.
لكن، هل ينجح اليوان فعلًا في تحدّي الدولار؟
الإجابة أبدا مو بسيطة. والنجاح ما رح يكون سريع، لكن حتى تقليص هيمنة الدولار بنسبة 20 أو 30 بالمئة خلال العقدين القادمين يعتبر تحوُّل كبير في النظام المالي العالمي.
الصين تُدرك أنّ الطريق طويل، والمشهد ما رح يتبدَّل بين ليلةٍ وضُحَاها. الدولار نفسه حَارَبَ عقودًا بعد الحرب العالمية الثانية حتى فرَض هيمنته، وربما يحتاج النظام الجديد عشرين أو ثلاثين سنة حتى ينجح.
والسؤال مرة أخرى هل يُحافظ الدولار على وجوده كعملة مسيطرة خلال الفترة المقبلة؟ الصين تُراهن أن الجواب سيكون لا.