مشاركة

منذ عقود، كانت الطاقة تنتقل من الشرق والجنوب نحو الغرب والشمال. النفط الخليجي يُغذِّي أوروبا وأمريكا، والغاز الروسي يُدَفِّئ المدن الأوروبية، والفحم الأسترالي يُشغِّل المصانع في آسيا. حتى جاءت الحرب في أوكرانيا وانكشف كل شيء.

 

تحوَّلت الطاقة إلى معركة بقاء، وبدأت أوروبا تبحث عن بدائل بأيّ ثمن. ألمانيا جهَّزت موانئ جديدة للغاز المسال في سباق مع الزمن، وفرنسا بنت مفاعلًا نوويًّا جديدًا.

 

روسيا اتجهت شرقًا نحو الصين والهند، وبدأت تَبيع الغاز بأسعار أقل وشروط مَرِنَة. صفقات طويلة المدى مدعومة بخطوط نقل جديدة تُعيد رسم خريطة الطاقة بالكامل.

 

خط أنابيب “قوة سيبيريا-2” هو رهان موسكو وبكين على المستقبل. سينقل 50 مليار متر مكعب من الغاز كل عام. موسكو تبحث عن تعويض خسائرها في السوق الأوروبية، وبكين تريد أمان واردات مستقرة من الطاقة، بعيدًا عن الممرات البحرية التي تسيطر عليها واشنطن. المشروع يُواجِه صعوبات تقنية ومالية، لكنّ الرغبة في التحرُّر من الهيمنة الغربية تبدو أقوى من كل العوائق.

 

أوروبا اليوم تعيش أزمة حقيقية. بعد توقُّف الغاز الروسي، ارتفعت الفواتير بشكلٍ جنوني. المصانع تُغلق، والأُسَر تعاني، والحكومات تبحث عن حلول. والغاز الأمريكي المُسَال أغلى بكثير من الروسي، والطاقة المُتجدِّدة ما زالت عاجزة عن سدّ الفجوة بسرعة كافية.

 

دول الخليج أمام واقع جديد؛ فالنفط الذي صنَع ثرواتها يُواجِه تحدّيات كبيرة. والتحوُّل نحو الطاقة النظيفة يتسارع، والطلب العالمي على الوقود الأحفوري يتراجع مع الوقت. وهذا يعني ميزانيات أقل ومشاريع مُؤجَّلة.

 

السعودية والإمارات تعرفان التحدِّي جيدًا، وتستثمران بقوة في مشاريع التنويع الاقتصادي. وتطبيق هذه المشاريع سيحتاج إلى وقت طويل واستثمارات ضخمة. لكن، كيف يمكن بناء اقتصاد ما بعد النفط دون صدمات اجتماعية؟

 

في أمريكا اللاتينية والدول الإفريقية، المعاناة صامتة؛ فهناك ارتفاع في أسعار الطاقة، والديون ترتفع، والعملات المحلية تنهار، وبالتالي يتزايد الفقر. هذه الدول لا تملك رفاهية الاختيار بين مصادر الطاقة، هي فقط تحاول البقاء.

 

في النهاية؛ حروب الطاقة هي أزمات تمسّ حياة الناس في كلّ مكان. المُواطِن هو مَن يدفع الثمن، في أوروبا كما في الخليج وإفريقيا. والسؤال الأهم: هل تنتقل حروب الطاقة من التنافس الإستراتيجي إلى الصدام العسكري؟

 

مشاركة