إرسال سوريا أول رسالة “سويفت” إلى الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك يتخطَّى كونه مجرد إجراء مصرفي تقني، إلى اعتباره رسالة سياسية واقتصادية واضحة. على السطح، يبدو الأمر كاختبار محدود للتواصل المالي مع المؤسسات الغربية، لكنّه يحمل إشارات عن رغبة دمشق في استكشاف ممرَّات مالية جديدة لإنعاش اقتصادها المتضرّر بعد سنوات الحرب والعزلة.
هناك بُعْد مزدوج للتحرُّك: على المستوى الداخلي، هذه الخطوة يمكن أن تُفسَّر كمؤشّر على جدية الحكومة في البحث عن تمويل لإعادة الإعمار، ودفع عجلة النشاط الاقتصادي، ما يَمنح بعض الثقة للأسواق المحلية والمستثمرين الإقليميين. أما على المستوى الدولي فتختبر سوريا ردود فعل الغرب، وتقيس حدود استعداد المؤسسات المالية للتعامل معها بعد سنوات من العقوبات.
التحدي الأساسي هنا ليس تقنيًّا فقط، بل سياسيًّا وإستراتيجيًّا. كلّ رسالة “سويفت” تخضع لمُراقَبة دقيقة مِن قِبَل المؤسسات الغربية، وأيّ خطوة غير محسوبة قد تُفسَّر على أنها اختراق غير مقبول للقيود المفروضة، ما قد يُعرقل المسار اللاحق. لذلك، دمشق تحتاج لموازنة دقيقة بين الحاجة المالية وقراءة ردود الفعل الدولية، وهو ما يجعل العملية تجربة دقيقة على مستوى النفوذ والاقتصاد معًا.
هناك زاوية أخرى غالبًا ما تُهمَل: الرمزية والإشارة. مجرد إرسال رسالة إلى الاحتياطي الفيدرالي هو إعلان ضمني بكَسْر العزلة كأحد تَبِعات تعليق العقوبات أو فتح التعامل المالي. هذه اللعبة الدقيقة تسمح لسوريا بقياس المناخ الدولي، والاستعداد للخطوات التالية في التمويل الدولي وإعادة الإعمار.
الخلاصة: خطوة سوريا نحو إرسال أول رسالة “سويفت” ليست مجرد إجراء مصرفي، بل تحرُّك إستراتيجي متعدّد الأبعاد. هي مزيج من اختبار النفوذ، وقياس الاستجابة الدولية، وإرسال إشارات للداخل والخارج حول جدية الدولة في إعادة بناء اقتصادها ضمن حدود ضغوط سياسية واقتصادية كبيرة.