مشاركة

بعد سنوات من البرود في العلاقات؛ أعلن رئيس الوزراء الكندي “مارك كارني” عزمه زيارة الصين بعد لقاء الرئيس “شي جين بينغ” على هامش منتدى “أبيك” في كوريا الجنوبية. خطوة تُوصَف بالتاريخية من حيث التوقيت، لكنّها في العمق أكثر تعقيدًا مما تُوحي به الصور الرسمية. فهل تُمثِّل بداية تعاون حقيقي مع بكين، أم مجرد محاولة لإعادة ترتيب المصالح دون الصدام مع واشنطن؟

كندا اليوم أمام معادلة صعبة: من جهة، تَعتمد بشدة على الولايات المتحدة كشريك تجاري وإستراتيجي، ما يَجْعلها عُرضة للضغوط التجارية. ومن جهة أخرى، تُمثِّل الصين ثاني أكبر شريك تجاري لها، لكنّها تحمل ملفات شائكة مثل الرسوم الجمركية على السيارات الكهربائية. وبين الدولتين، تُحاول أوتاوا إيجاد مساحة استقلال حقيقية، تُعيد صياغة سياستها الخارجية وَفْق مصالحها.

التحرُّك الكندي يحمل رسالة متوازنة أكثر من كونه ميلًا نحو الشرق. كندا تفتح الباب للحوار مع الصين، لكنّها حذرة من أن يتحوَّل هذا الانفتاح إلى تقييد خياراتها. في الداخل، تتصاعد الدعوات لتقليل التبعية لواشنطن دون الوقوع في فخّ النفوذ الصيني، وهو نقاش يعكس بَحْث كندا عن دور عالمي مستقلّ لا يقوم على الاصطفاف بل على الموازنة.

من المتوقع أن يتركّز اللقاء المرتقب بين كارني وشي على ملفات التجارة والزراعة والسيارات الكهربائية، مع نيَّة لمواصلة الحوار دون التزامات قاطعة. الصين تُبدي استعدادًا لتحسين العلاقات، لكنّ كندا تُدرك أن الطريق ما يزال طويلًا، وأن التجربة تتطلب صبرًا دبلوماسيًّا ومناورة اقتصادية محسوبة.

في المُحصِّلة، تبدو زيارة كارني خطوة محسوبة بعناية أكثر من كونها تحوُّلًا جذريًّا في السياسة الخارجية. إنها محاولة لتوسيع هامش الحركة الكندية بين القوتين العظميين، وتأكيد على أن أوتاوا بدأت تخطو بثقة نحو مرحلة جديدة؛ حيث لا تكتفي بدور التابع، بل تسعى لأن تكون لاعبًا مستقلًا في معادلة دولية تتغير بسرعة.

مشاركة