تكشف جولة نتنياهو في جنوب سوريا عن لحظةٍ فارقةٍ في معادلات الصراع؛ لحظة تقول بوضوح: إن الانتهاكات الإسرائيلية لم تَعُد مجرد خروقات متقطعة، بل تحوَّلت إلى نمط ثابت يستند إلى قراءة دقيقة لميزان القوى الحالي في الجنوب. فالزيارة، بهذا المستوى من العلنية والزخم السياسي والعسكري، ليست حدثًا عابرًا، بل مؤشّر على أن إسرائيل أصبحت تتعامل مع الحدود السورية باعتبارها مساحة مفتوحة يمكن التحرُّك داخلها دون خوف من ردّ حقيقي.
تشير التطورات في الجنوب السوري إلى واقع مُعقَّد تشكّل بفعل سنوات الحرب، وتعدّد القوى الموجودة هناك، وتغيُّر خرائط السيطرة باستمرار. هذا الوضع أَوْجَد بيئة أمنية غير مستقرة تسمح لإسرائيل بتوسيع مجال مناورتها. فالفراغ الذي تشهده المنطقة لا يرتبط بجهة محدّدة، بل هو نتيجة تراكم ظروف متشابكة؛ تستثمره إسرائيل لتثبيت حضور ميداني يمنحها قدرة أكبر على فَرْض إيقاعها العسكري والسياسي.
الزيارة تظهر أن اتفاق فضّ الاشتباك لم يَعُد يَفْرض ضبطًا فعليًّا للحدود، وسط قلق دولي يفتقر إلى أدوات ردع، ما يترك المنطقة بلا ضوابط واضحة.
لكن السؤال الأهم: مَن يملك القدرة أو الإرادة على وَقْف الانتهاكات الإسرائيلية؟
القوى الإقليمية تختلف حساباتها؛ بعضها ينظر إلى الجنوب كمنطقة تجميد لا كمنطقة اشتباك، وبعضها يَستخدمه كورقة تفاوضية في مسار أوسع. أما القوى الدولية، فمواقفها تتراوح بين التحفُّظ والانتظار، دون امتلاك آلية تنفيذ أو رغبة في تغيير قواعد اللعبة. وهنا تتعزَّز قناعة إسرائيل بأنّ هامش الحركة مفتوح، وأن ردود الفعل لن تتجاوز حدود الاعتراض السياسي.
ومن زاوية أعمق، تعكس الجولة اتجاهًا خطيرًا: تحوُّل الجنوب السوري إلى ساحة تثبيت رسائل لا تُقابَل برسائل مضادَّة. وهذا الخلل هو ما يَمنح الانتهاكات الإسرائيلية استمرارية واضحة. فالقضية اليوم ليست فقط مَن يعترض، بل مَن يستطيع تحويل الاعتراض إلى قوة ضغط فِعْلية لإعادة بناء منظومة رَدْع تُقلِّل من قدرة إسرائيل على التصرُّف المنفرد.
ختامًا، يظل الجنوب السوري منطقة اختبار للنفوذ والتوازنات؛ حيث تستمر الانتهاكات الإسرائيلية بلا رادع فِعْلي، ويظل السؤال مفتوحًا: مَن يملك القدرة والإرادة لإيقافها وإعادة صياغة قواعد اللعب على الأرض؟