مشاركة

في توقيتٍ يبدو فيه العالم كله مُعلَّقًا بين صراع القوة والتفاوض؛ أعلن ترامب عن خطة لإنهاء الحرب في أوكرانيا، بينما يتمسك بوتين ظاهريًّا بأن الجيش سيُحقِّق “أهداف الحرب بالكامل”. في مشهد يبدو كأنه رقعة شطرنج، كلّ قطعة تتحرَّك وفق مصالح إستراتيجية واقتصادية.

 

الخطة الأمريكية تقترح تنازلات من أوكرانيا، تسمح بضمّ روسيا لأراضٍ تحتلها حاليًّا. تبدو الخطة، من الخارج، وكأنها محاولة لإنهاء الصراع بسرعة، لكنّها في العُمْق تعكس واقعًا صعبًا؛ فأوكرانيا لن تُوافق على الأقل في هذه المرحلة، والدول الأوروبية الداعمة لها لن تَقْبل كامل الخطة، ما يجعل هذه المبادرة في معظم السيناريوهات دائرة مُغلقة، تدور حول نفسها دون أن تُحْدِث تغييرًا ملموسًا على الأرض.

 

لكنْ وراء المبادرة الأمريكية، بُعْد اقتصادي واضح. ترامب يسعى لإنهاء الحرب ليس فقط لوقف النزيف، بل لتفعيل مشاريع اقتصادية وتجارية، خصوصًا في مجال المعادن النادرة التي تحتاج إلى بيئة مستقرة للاستثمار والتوسُّع.

 

أوكرانيا بالنسبة لأمريكا ليست مجرد بُقْعَة جغرافية، بل هي منصة لإعادة تشغيل صناعات إستراتيجية، وتأمين مصالح شركات أمريكية كبرى. الحل السريع بالنسبة لواشنطن يعني مكاسب اقتصادية ضخمة قبل أيّ تغيير سياسي دائم.

 

في المقابل، بوتين يبدو متمسكًا بما يُسمّيه “أهداف الحرب بالكامل”، التصريحات الروسية ليست مجرد خطاب، بل تهديد ضمني بأنّ أيّ تنازل أو حلّ سريع يجب أن يكون وَفْق حسابات موسكو، ولا يمكن فَرْضه بالقوة على الأرض إلا بعد ضمان تحقيق مكاسب إستراتيجية.

 

روسيا هنا تلعب على مبدأ “التفاوض بالقوة”، وتحاول فَرْض وقائع ميدانية قبل الجلوس إلى الطاولة، ما يجعل أيّ خطة أمريكية تُواجِه عَقَبة أساسية: الواقع العسكري قبل السياسة.

 

ما بين الطرح الأمريكي والتصريحات الروسية، يبدو أن أوروبا تَجِد نفسها في موقع صعب: داعمة لأوكرانيا، لكنّها مُتخوّفة من أيّ حلّ يُرضي موسكو على حساب سيادة أوكرانيا. الحلول العملية، من منظور دولي، تحتاج إلى توازن دقيق بين الضغط الاقتصادي، والدعم العسكري، والقدرة على فرض أيّ اتفاقية مستقبلية على الطرفين دون تفاقم النزاع.

 

الحقيقة أن هذه الحلقة الجديدة في الصراع الأوكراني-الروسي تُظْهِر بوضوح نموذجًا معقَّدًا: سباق أمريكي-روسي لإعادة صياغة ميزان القوى الأوروبي قبل نهاية الحرب، ومحاولة استثمارها اقتصاديًّا، مقابل تمسُّك روسي بالنتائج الميدانية.

 

الكرة ليست في ملعب أوكرانيا فقط، بل في ساحة دولية تتداخل فيها السياسة، والاقتصاد، والإستراتيجية العسكرية.

 

في النهاية، طَرْح ترامب لخطة السلام ليس مجرد اقتراح، بل اختبار حقيقي للقدرة الأمريكية على مَزْج القوة الاقتصادية بالضغط السياسي، بينما بوتين يُذَكِّر الجميع بأنّ الأرض والجيش لا يمكن تجاوزهما، وأنّ أيّ تسوية سريعة تحتاج إلى توازن دقيق بين مصالح الأطراف الكبرى. والسؤال هنا: ماذا يعني طَرْح خطة ترامب الآن؟

مشاركة