شهدت جلسة التداول في السوق الأمريكية بداية قوية، بدفع من أرباح شركة إنفيديا وبيانات السوق المشجّعة؛ حيث بدا أن المستثمرين على موعد مع موجة تفاؤل جديدة. لكنّ تلك البداية لم تَدُمْ طويلًا؛ حيث تحوَّلت الارتفاعات إلى تراجع حادّ، وسجّلت أكثر من 80% من الأسهم خسائر كبيرة، في انعكاس مفاجئ للسوق.
التقلُّبات الأخيرة تعكس مخاوف حقيقية لدى المستثمرين بشأن مستقبل الاقتصاد الأمريكي. التحسُّن المُبكّر في السوق كان مرتبطًا بتوقُّعات تخفيض الفائدة، لكنّ البيانات الأخيرة حول سوق العمل كانت سلبية، مع ارتفاع معدّل البطالة من 4.3% إلى 4.4%، ما أثار قلق الأسواق وأعاد تذكير المستثمرين بأنّ الصورة الاقتصادية لا تزال غير مستقرَّة. ما يعني أن المستثمرين باتوا أكثر حساسية لأيّ تغيير في السياسة النقدية.
الرسالة واضحة: المستثمرون لا يثقون بعدُ بتوجُّهات الفيدرالي الأمريكي تجاه سعر الفائدة، والتباين بين التوقُّعات الإيجابية والبيانات الواقعية يزيد من حالة التذبذب. ارتفاعات حادَّة تتبعها خسائر كبيرة، تعكس التوتُّر المستمر بين التفاؤل والشكوك الاقتصادية، ما يجعل من الصعب التنبّؤ باتجاه السوق على المدى القصير.
هذا التذبذب في أكبر اقتصاد عالمي لا يَقتصر أثره على الولايات المتحدة وحدها، بل يمتدّ ليصل إلى أسواق أوروبا وآسيا وحتى المنطقة العربية. التقلُّبات الأمريكية قد تَضْغط على الأسواق العالمية، وتزيد من المخاطر الاقتصادية الدولية، خصوصًا في ظلّ ارتفاع أسعار الطاقة والسلع الأساسية وتأثُّر سلاسل الإمداد العالمية. كما يمكن أن تُؤثّر على معنويات المستثمرين في الأسواق الناشئة، وتَخْلق حالة من الحذر الزائد في اتخاذ قرارات الاستثمار طويلة الأجل.
باختصار: السوق الأمريكية اليوم هي صورة مُصغَّرة لمزاج المستثمرين حول العالم؛ التفاؤل موجود لكنّه هشّ، والمخاوف الاقتصادية حاضرة بقوة. كلّ حركة في الأسهم لا تعكس فقط أداء الشركات، بل توجُّهات السياسة النقدية العالمية، ما يجعل متابعة السوق الأمريكية أمرًا أساسيًّا لفَهْم المشهد الاقتصادي العالمي.