شَهِدت #تُرْكيا في العَقْديْن السابِقَيْن نَهْضة في مُختلِف المَجالَات السّياسِيّة والاقتِصاديّة والاجتِماعيّة والعَسْكريّة، يأتي اكتشاف #الغاز_الطَّبيعيّ في #البحر_الأَسْود ليُعزِّز من فُرَص #تُرْكيا في النُّموّ، فما الآثار الاقتِصاديّة والإسْتراتيجِيّة والسياسِيّة التي سيُولِّدها اكتِشاف #الغَاز في المِياه الإقْلِيميّة التُّرْكية.
على الصَّعِيد الاقتِصاديّ تَبْدو مَنافِع الاكتِشاف الغَازيّ واضِحة وجَلِيّة، ففاتورة #تُرْكيا السَّنويّة المُخصصَّة للطاقَة تَبْلغ 41 مليار دولار، وبهذا الاكتِشَاف ستتحوَّل تُرْكيا من مُستورِد للطاقَة إلى مُصدِّر لها، وهذا ما سينعكس على ميزان المدفوعات التُّركيّ، كما سَيُخَفِّف من الطَلَب الحكوميّ على الدولار وبالتّالي ستَتَّحسَّن اللِّيرة التُّركِيَّة.
ستَشْهد #تُرْكيا فَوْر بَدْء أَعْمال التَّنْقيب استِثمارات لتَجْهيز بِنْية تَحْتيّة لاستِخراج ومُعالَجة #الغَاز، والَّتي يُقدَّر للعائدات أنْ تَتجاوَز 100 مليار دولار، ممّا يُشكّل دَفْعًا للنُّموّ الاقتِصاديّ، كما أنّ زِيادَة الناتِج المَحلِّيّ الإجْماليّ سيَزيد من استِقْرار اللِّيرة، ففَوْر الإعْلان عن الاكتِشاف ارتَفَعت قِيمة اللِّيرة و #بُوْرصة_إِسْطنبول بنِسْبة 2%.
تَبلُغ كَمّية #الغَاز التَّقْديريّة في المَكامِن المُكتَشَفة ما يُقارِب 800 مليار متر مُكعَّب من الغاز، والَّتي تَكْفي حاجَة #تُرْكيا لما يُقارِب خَمسَة عَشَر عامًا الأَمْر الَّذي يَعْني توفيرًا للخَزِينة التُّرْكية خِلال هذه الأَعْوام ما يُقارِب 900 مليار دولار أَمْريكيّ.
تَزْداد حاجَة #تُرْكيا للغاز بوَتِيرة مُتسارِعة فمن 40 مليار مِتْر مُكعَّب عام 2015م إلى 45 مليار عام 2020م ومن المُتوقَّع أن يَصِل هذا الرَّقْم إلى 70 مليار متر مُكعَّب عام 2035م، الأمر الّذي من شأنه زِيادَة الضُّغوط الاقتِصاديّة على المُوازَنة، إلا أنّ الاكتِشاف الجديد سيُشكِّل حلًّا جَذْريًا لهذه المُعضِلة.
يعاني سوق #الطاقة التُّركيّ من التَّذبْذُب خلال السَّنوات الماضِية نَتِيجة تَأثُّر الوارِدات بالتوتُّرات السّياسِية الإقْلِيميّة والمَحلِّية، ففي مَطلَع العام الحاليّ تَراجَع دَوْر #إيران و #رُوسْيا كمُورِّدَيْن رَئيسيَّيْنِ للغاز لتُرْكيا، فوارِدات الغاز الإيرانيّ تَراجَعت 30% ومن المُتوقَّع أن تَشهَد تراجُعًا إضافيًّا نَتِيجة العُقُوبات الأَمْريكيّة على إيران.
ويَتراجَع دَور #الغاز_الرُّوسيّ في السُّوق التُّرْكية إلى أكْثَر من 70% مدفوعًا بتَذبْذُب الأسْعَار العالمية والتوتُّرات السِّياسيّة مُقابِل ارتِفاع دَوْر #قَطَر و #الجَزَائر و #الوِلايات_المُتَّحِدة_الأَمْرِيكية، وممَّا لا شكَّ فيه أنّ هذا التبدُّل السَّريع في الأَسْواق يُضعِف استِقرار السُّوق التُّركيّ ويَتْركه عُرْضة للتأثُّر بالصَّدمات.
تُشكِّل #رُوسْيا و #إيران أَهمّ الشُّرَكاء الاقتِصادِيِّين لتُرْكيا في المِنطَقة، لا سيّما أنّهم المُورِّدَيْن الرَّئيسيَّيْنِ للطاقَة وفي ذات الوَقْت تَتعارَض بعض سِياساتهما في المِنطَقة مع السياسة التُّرْكية، الأَمْر الَّذي يَحدّ من قُدْرة #تُرْكيا السِّياسية كَوْن استِقرارها الاقتِصاديّ مَرْهون بالعَلَاقة مع هَاتَيْن الدَّوْلتَيْن.
في حال قَرَّرتْ #تُرْكيا تَصْدير #الغاز ستَكُون تَكْلِفة تَصْديره مُنخفِضة كَوْن الأَسْواق المُحتمَلة له قَرِيبة والمُتمثِّلَة ب #بلغاريا و #أوكرانيا، وهنا من المُمكِن الاتِّفاق مع #رُوسْيا لاستِثمار خَطّ الغاز الرُّوسيّ المَارّ في تُرْكيا، فقَضِية الغاز التُّركيّ إمّا أنْ تَفتَح مَجالًا لاتِّفاق إسْتِراتِيجيّ مع #رُوسْيا أو تَزيد حِدَّة التوتُّرات.
على المُسْتوى السياسِيّ تُشكِّل #الطاقَة إِحْدى العَوامِل الَّتي تَرْسم المَعالِم الرَّئيسة للسِّياسة الخارِجيّة للدُّوَل، فقَضِيّة #الغَاز بين #رُوسْيا و #أوروبا تُمثِّل أحَد أَبْرز مُحدِّدات العَلَاقة بين الطَّرَفَيْن، لذلك فالاكتِشاف الغَازيّ الجَديد من شَأْنه تَعْزيز مَوْقع #تُرْكيا السياسِيّ إقْلِيميًّا وعَالَميًّا.
على المُستوَى الإِسْتراتيجِيّ، تُشكِّل #الطاقَة البُعد الإِسْتراتِيجيّ لعَلَاقات الدُّوَل ببَعْضها، فعلى الرَّغم من عراقة الدَّولة التُّرْكية فَإنَّها تُواجِه مُنافَسة قَويّة من #دُوَل_الخَلِيج حَدِيثة العَهْد وذلك لأنّ #الخَلِيج المَنْبع الأَكْبر للطاقَة العَالَميّة، وبالتّالي فإنَّ دُخُول #تُرْكيا عالَم الطاقَة من شَأْنه تَحْسين مَوْقعها الإِسْتراتِيجيّ.
تَقُوم #تُرْكيا بالتَّنْقيب في #شَرْق_المُتوسِّط أيضًا وفي حال تَمّ اكتِشاف مَكامِن هناك قد يَتغيَّر الوَضْع السّياسِيّ والإِسْتراتِيجيّ في عُمُوم المِنطَقة لا سيّما أنّ هذا الأَمْر سيَمنَح #أوروبا بديلًا عن #الغاز_الرُّوسيّ ممّا يَمنَح أوروبا قُدْرة أَكْبر للضَّغْط على #روسيا وبالتّالي قد يُشكِّل هذا الاكتِشاف في حال حُدوثه أَهمّ حَدَث إِسْتراتِيجيّ في القَرْن الحَاليّ.