ما سببُ طلبِ سوريا إحياءَ اتفاقيةِ فضِّ الاشتباكِ معَ الكيانِ الإسرائيليِّ؟
بعدَ انتهاءِ حربِ عامَ 1973م بينَ سوريا والكيانِ الإسرائيليِّ، تمَّ توقيعُ اتفاقيةٍ لفضِّ الاشتباكِ بينَ القواتِ السوريةِ والإسرائيليةِ عامَ 1974م.
بمُوجبِ هذِهِ الاتفاقيةِ، انسحبَتْ إسرائيل مِنْ بعضِ المناطقِ المحتلةِ، وصارَ هناكَ منطقةٌ فاصلةٌ بينَ الطرفَينِ تحتَ إشرافِ قوَّاتِ الأممِ المتحدةِ.
هذِهِ الاتفاقيةُ ضمنَتِ استقرارَ الجبهةِ الجنوبيةِ لعقودٍ، لكنَّهَا انهارَتْ مُؤخرًا بعد أنْ احتلَّتْ إسرائيلُ منطقةَ جبلِ الشيخِ بحجَّةِ إنشاءِ منطقةٍ آمنةٍ.
حاليًّا، الحكومةُ السوريةُ تتحركُ لإحياءِ هذا الاتفاقِ، والهدفُ هوَ إستراتيجيٌّ وسياسيٌّ وعسكريٌّ واقتصاديٌّ، على المستوى الإستراتيجيِّ تُواجِهُ سوريا تهديدًا لأمنِهَا القوميِّ، بسبَبِ سيطرةِ الكيانِ على جبلِ الشيخِ، وهوَ نقطةٌ إستراتيجيةٌ ترتفعُ أكثرَ مِنْ 2800 مترٍ، ومَنْ يسيطرْ عليْهَا يمتلكْ ميزةً عسكريةً؛ لأنَّهُ يُتيحُ رؤيةً واسعةً تمتدُّ إلى داخلِ فلسطين ولبنان وسوريا، وإذا ما استعادَتْ دمشق السيطرةَ عليْهِ عبرَ تفعيلِ الاتفاقيةِ، فهذا يساعدُها على استعادةِ التوازنِ على الجبهةِ الجنوبيةِ، وتعزيزِ الأمنِ القوميِّ بشكلٍ كبيرٍ.
مِنَ الناحيةِ السياسيةِ، إعادةُ تفعيلِ الاتفاقيةِ تُعدُّ خطوةً مهمةً باتجاهِ صورةِ دمشق كلاعبٍ أساسيٍّ في الساحةِ الإقليميةِ. وبالتالي تعزيزُ موقعِ الدَّولةِ كطرفٍ موثوقٍ بِهِ. إضافةً إلى ذلكَ، فإنَّ إحياءَ الاتفاقيةِ يعني التزامَ سوريا بالاتفاقياتِ السابقةِ، وهذا الأمرُ يمنحُهَا اعترافًا ضمنيًّا مِنَ المجتمعِ الدّوليِّ بأنَّهَا قادرةٌ على إدارةِ الملفاتِ الأمنيةِ، وهو ما يُعزّزُ مِنْ سرعةِ الاعترافِ بالحكومةِ، ويُؤدِّي إلى سُرعةِ رَفْعِ العقوباتِ وإمكانيةِ تَفْعِيل إعادةِ الإعمارِ.
منَ الناحيةِ العسكريةِ، إحياءُ الاتفاقيةِ يعني تثبيتَ التوازنِ في الجبهةِ الجنوبيةِ، ويُخفِّفُ التصعيدَ، ويمنعُ المزيدَ منَ التوتراتِ، ما يُتيحُ لدمشق التركيزَ على ملفاتٍ أخرى، مثلَ: تعزيزِ الأمنِ الداخليِّ، وضبطِ الحدودِ. وأيضاً المساهمة في استقرارِ المنطقةِ؛ لأنَّ الجبهةَ السوريةَ مُهِمَّةٌ جداً، ولا يمكنُ الحديثُ عن استقرارِ الشرقِ الأوسطِ دونَ استقرارِ سوريا. لذلكَ فينا نقولُ: إنَّ العودةَ للاتفاقيةِ مصلحةٌ إقليميةٌ وليسَ وطنيةً فقطْ.
منَ الناحيةِ الاقتصاديةِ، استعادةُ الاستقرارِ في الجنوبِ يمكنُ أنْ يكونَ مفتاحًا لتخفيفِ بعضِ الأزماتِ الاقتصاديةِ. الاستقرارُ الأمنيُّ يفتحُ المجالَ أمامَ النشاطِ التجاريِّ، ويساعدُ على إعادةِ تفعيلِ خطوطِ التجارةِ معَ الأردن ولبنان؛ لأنَّ معبرَ نصيب بين سوريا والأردن لا يمكنُ أن يعملَ بشكلٍ طبيعيٍّ دونَ استقرارِ الجبهةِ الجنوبيةِ، وهذَا المعبرُ بالمناسبةِ هو أهمُّ مَعْبرٍ في الشرقِ الأوسطِ، ويخدمُ دولًا عديدةً، منها تركيا ولبنان والأردن ودولُ الخليجِ العربيّ، لذلك العودةُ للاتفاقيةِ تعني عملَ هذَا المعبرِ بطاقتهِ الكاملةِ، وبالتالي توفيرُ عوائدَ كبيرةٍ لسوريا ولدولِ المنطقةِ.
خلاصةُ الأمرِ، إعادةُ إحياءِ اتفاقيةِ فضِّ الاشتباكِ مهمة جداً لسوريا ولدولِ المنطقةِ، تُحقِّقُ مصالحَ سياسيةً واقتصاديةً وعسكريةً، وتُعيدُ لدمشق مركزهَا الإقليميَّ، باعتبارها إحدى الدولِ الرئيسةِ في المنطقةِ.