“حين تُطْلَق طلقة، يبدأ الاقتصاد الأمريكي في عدّ أرقامه، وحين تُزْرَع بذرة تبدأ الصين في جَنْي الثمار”
مشهد مألوف في تاريخ أمريكا الحديث: حروب في مختلف قارات العالم، يَعْقُبها ارتفاع في الإنتاج، عقب كل حرب ينمو الاقتصاد الأمريكي، أما الصين فاختارت أن تُفكِّر في “حرب التنمية” لتَنْطَلِق في مسارها نحو الصدارة العالمية.
بَيْنَ نارٍ تُشْعِل مصانع، وهدوءٍ يبني الأسواق، تقف أمريكا والصين في مفترق تاريخي… كلٌّ يَسْلك طريقاً مختلفاً نحو القمة.
منذ انطلاق الثورة الأمريكية عام 1776 وحتى اليوم، لم تَعِش الولايات المتحدة إلا نادراً دون حروب، شاركت في مئات النزاعات حول العالم، المرة الوحيدة التي مرَّت فيها البلاد بـ 5 سنوات كاملة بلا حرب كانت بين 1935 و1940، خلال سياسة الانعزالية في ذُرْوَة الكَسَاد العظيم.
هذا النَّمط العسكري المتواصل لم يكن عبئاً، بل كان قوّة المُحرِّك الاقتصادي: بعد الحرب العالمية الثانية، ارتفع الناتج القومي لأكثر من 3% سنوياً، بينما انخفض معدل البَطالة إلى أقل من 1.2% في بعض السنوات.
اليوم رغم أن أمريكا لا تَشُنّ حرباً شاملة، فإنها لا تزال في حالة حملة مستمرة: من فيتنام مروراً بالخليج والعراق وأفغانستان، وصولاً إلى إنتاج الأسلحة وتصديرها، ورغم ذلك يحتفظ الاقتصاد الأمريكي بمرونة عالية، بيانات التوظيف الأخيرة أظهرت إضافة 147 ألف وظيفة في يونيو. ولكن هذا النمو يُرافقه مديونيات متصاعدة، وعَجْز في الحسابات الخارجية تتجاوز حاجز 34 تريليون دولار، مع تحذيرات بتباطؤ النمو إلى 1.6%، ورغم ذلك الأسواق المالية تحافظ على أداء جيد بسبب وُعُود التوسُّع الحكومي.
على الجانب الآخر، الصين سارت في مَسار مُعاكِس، بعد عَقْدٍ من الحرب الأهلية والإصلاحات في أواخر السبعينيات، لم تَنتظر إطلاق رصاصة جديدة، بل بدأت في بناء مصانع وحقول ذكية، ومنذ انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية عام 2001، نَمَتْ معدلات ارتفاع الناتج المحلي العام بشكلٍ مَلْحُوظٍ، وخرج 800 مليون شخص من الفقر،
الأرقام تقول: إن الصين خَطَّتْ طريقها بثباتٍ إلى أنْ أصبحتْ ثاني أكبر قوة اقتصادية عالمياً، اليوم بكين تُصنِّع للسلام: تكنولوجيا، سكك حديدية فائقة السرعة، وأصبحت مركزاً للابتكار العالمي.
خلاصة القول: النمو الاقتصادي لا يقوم على المَدَافِع، ولا يُولَد بلا جسور ولا مصانع، أمريكا بَنَت اقتصادها وسط دوامات الحرب رغم ديونها، بينما الصين فضَّلَتْ لُغَة الإنتاج بالسلام، رغم تحدياتها التنموية.
والسؤال هنا: هل يمكن لأمريكا أن تَصْمد اقتصادياً دون حروب؟ وهل بوُسْع الصين المحافظة على نُموّها رغم التحديات؟