في الوقت الحالي تحتل تركيا المرتبة التاسعة عالمياً في استيراد الغاز. فهي من كبار المستوردين والمستهلكين لحوامل الطاقة. ولكن: ما الاحتياجات التركية من الغاز؟ وما تكلفة فاتورته؟ وما أهم مصادره؟. وما تأثير الاكتشافات الغازية على فاتورة الاستيراد؟. وما تأثير ذلك على الموازنة التركية وعلى مختلف مؤشرات الاقتصاد الكلي التركي؟
في الواقع ازدادت حاجة تركيا للطاقة عموماً وللغاز الطبيعي خصوصاً في العقدين السابقين. نتيجة التطور الصناعي المتسارع في البلاد. فمنذ عام 2002م تضاعفت حاجة تركيا للغاز بما يقارب ثلاثة أضعاف. وفي الجدول التالي بيان لحاجة تركيا من الغاز في العقدين السابقين.
العام | الاحتياجات السنوية من الغاز الطبيعي / مليار متر مكعب |
2002م | 16,7 |
2005م | 22,3 |
2007م | 36,2 |
2011م | 40,1 |
2016م | 42,3 |
2020م | 45 |
من جهة أخرى من المتوقع أن تبلغ احتياجات تركيا السنوية من الغاز الطبيعي 72 مليار متر مكعب بحلول عام 2030م. وذلك بسبب التوسع الصناعي الذي تشهده البلاد.
في الحقيقة تستحوذ فاتورة استيراد الغاز على حصة كبيرة من قيمة الواردات التركية الإجمالية. ففي عام 2019م بلغت الواردات التركية 202 مليار دولار أمريكي. وبلغت قيمة واردات الغاز الطبيعي 40 مليار دولار بما يشكل ما يقارب من 20% من إجمالي الواردات. وهو ما يساهم في العجز التجاري الذي بلغ 30 مليار دولار في ذات العام.
بصفة عامة تتعدد مصادر الواردات التركية من الغاز. وتستحوذ روسيا وإيران وأذربيجان على الحصة الأكبر من الواردات. وحصة هذه الدول الثلاث غالباً ما تتغير. فخلال السنوات الماضية كان لروسيا الحصة الأكبر إلا أنها تراجعت على حساب أذربيجان. وهذا التغير في خريطة الدول الموردة يتغير تبعاً لمعطيات الاقتصاد السياسي.
بالطبع تشكل حوامل الطاقة أحد أهم النقاط التي تبنى عليها التحالفات الاستراتيجية الدولية. وترى تركيا أن حاجتها للطاقة تقيد حرية قرارها السياسي. لذلك تسعى لتغيير خريطة الدول الموردة بما يمنحها حرية أكبر للتحرك السياسي والعسكري في محيطها الإقليمي. نتيجة لذلك من المتوقع أن تشهد خريطة الواردات التركية من الغاز تغيرات جذرية في السنوات القادمة.
وفي الوقت نفسه تنتهي عقود توريد الغاز إلى تركيا في السنوات القادمة. ففي العام الحالي ينتهي عقد شركة بروم الروسية وقيمته 8 مليارات متر مكعب. وينتهي عقد نيجيريا بقيمة 1,3 مليار متر مكعب. وينتهي عقد الجزائر في 2024م بقيمة 4,4 مليار متر مكعب. بالإضافة إلى ذلك ينتهي عقد بلو ستريم الروسي بقيمة 16 مليار متر مكعب عام 2025م.
إن خطوط نقل حوامل الطاقة القادمة من قزوين والتي تعبر من تركيا تشكل أهمية خاصة على المستوى العالمي عموماً ولتركيا خصوصاً. وهي خطوط باكو – تبليسي – جيهان. وخط باكو – تبليسي – أرضوم. وهي تمر من تركيا. إلا أن الخط الأهم لتركيا هو الخط العابر للأناضول تاناب. والذي يحمل أهمية خاصة لتركيا.
كما يشكل الخط العابر للأناضول تاناب أحد أهم خطوط الطاقة في العالم. وهذا ما يفسر تسميته بطريق الحرير للطاقة. وبدأ تشغيل هذا الخط عام 2020م. وهذا ما يفسر تراجع الاعتماد التركي على الغاز الروسي. ومن المتوقع تراجع دور روسيا إيران في سوق الطاقة التركي بعد تشغيل هذا الخط بطاقته القصوى.
من جهة أخرى تشكل الاكتشافات التركية الأخيرة للغاز الطبيعي في مياهها الإقليمية دعماً لسوق الطاقة التركي. وما زالت الاكتشافات غير واضحة الكمية بشكل دقيق. وتتعدد التقديرات لها بين 320 مليار قدم مكعب و800 مليار قدم مكعب. إلا أن المرجح أنها تبلغ بحدود 300 مليار قدم مكعب. وهو ما يخفض من قيمة فاتورة الطاقة التركية.
كما تشكل الاكتشافات الغازية في تركيا 10% من الاستهلاك التركي. ومن المتوقع أن يبدأ الإنتاج التركي عام 2023م وذلك لمصادفة هذا العام مئوية الدولة التركية الحديثة. إلا أن الإنتاج الكامل قد لا يبدأ قبل عام 2026م. وهذا الإنتاج من شأنه دعم الميزان التجاري التركي ودعم الاقتصاد والليرة التركية على المدى الطويل.
في نهاية المطاف تدرك تركيا أن سوق الطاقة وخطوطه تشكل أحد أهم متغيرات الاقتصاد السياسي. ولهذا تسعى للبحث عن مصادر للطاقة تمنحها حرية واسعة للتحرك إقليمياً. ولهذا من المتوقع عدم تجديد بعض عقود الطاقة طويلة الأجل في السنوات القادمة أو على الأقل تخفيض قيمة هذه العقود.