شهدت العديد من المناطق السورية تسويات عدة بين الفصائل المعارضة وبين النظام السوري. غالبية هذه التسويات أفضت لسيطرة كاملة لقوات النظام ومؤسساته على هذه المناطق. إلا أن درعا تبدو كحالة خاصة في هذه التسويات. فما السبب الذي يجعل درعا بين التسويات المتكررة والتوتر المستمر؟
تعتبر محافظة درعا رئة اقتصادية واستراتيجية للدولة السورية. وذلك انطلاقًا من مقوماتها الاقتصادية وموقعها الاستراتيجي والتجاري. فمن ناحية المقومات الاستراتيجية تتمتع درعا بموقع استراتيجي مهم كونها تقع في المثلث الواصل بين سوريا والأردن وفلسطين المحتلة. إضافةً لكونها خلال العقود السابقة كانت النقطة الأبرز لتمركز غالبية القوات السورية.
وفيما يخص المقومات الاقتصادية تملك درعا العديد من المقومات الاقتصادية المعتمدة على الزراعة والترانزيت. فالمحافظة تملك مساحة تقدر بنحو 225,000 هكتار صالحة للزراعة بما يشكل 60% من مساحتها.
ومن ناحية الإنتاج تنتج 65,000 طن من القمح بما يشكل 3,62% من الإنتاج السوري. وتنتج 32,3% من إنتاج البلاد من البقوليات. ويبلغ عدد أشجار الزيتون فيها 6,5 مليون شجرة. وتنتج أيضاً 23,19% من إنتاج البلاد من العنب. و40% من إنتاج البندورة. كما تنتج 5,300 طن من اللحوم سنوياً.
تظهر الأهمية الاقتصادية لدرعا أيضاً من خلال أن حاجتها من إنتاجها لا تتجاوز 25%. والباقي يُستخدم في تلبية حاجة باقي محافظات سوريا أو للتصدير الخارجي. وهذا ما يجعلها أحد أعمدة التصدير في سوريا ويعطيها أهمية اقتصادية كبرى.
كما يعتبر معبر نصيب الحدودي المعبر التجاري الأهم في الشرق الأوسط. فهو البوابة التجارية الشمالية للخليج العربي. إضافةً لكونه نقطة ربط برية بين تركيا وأوروبا من جهة وبين الخليج من جهة أخرى. فحجم البضاعة التي كانت تمر منه قبل الثورة السورية بلغ 1,100 طن بما تقدر قيمته بأكثر من مليار دولار أمريكي سنوياً.
استعاد النظام السيطرة على محافظة درعا بالكامل عام 2018م بوساطة روسية. وتم حينها تسليم غالبية السلاح الثقيل والخفيف الخاص بالفصائل إلى قوات النظام. وتم ترحيل عدد كبير من شباب الفصائل مع عائلاتهم إلى الشمال السوري. إلا أن أوضاع المحافظة الأمنية لم تهدأ.
يمكن وصف ما يحدث في درعا بالقديم الجديد. فهو سيناريو يتكرر منذ عدة سنوات لا سيما تسوية عام 2018م. فهذه التسوية لم تحقق أهداف النظام كما كانت دون توقعات المعارضة المحلية في درعا. فلا النظام أوفى بوعوده ولا الفصائل استسلمت. فعمليات الاغتيالات مستمرة لضباط النظام.
تشكل مطالبة النظام لوجهاء مدينة درعا بتسليم السلاح الخفيف وتهجير بعض الشباب إحدى أهم النقاط الخلافية في وجه أي تسوية. فهذا الأمر ترى فيه الفصائل شبه استسلام. وعلى ما يبدو فإن النظام لن يتراجع عن هذه المطالب. وهذا ما يقود لتساؤل رئيس: ما هو مستقبل الأوضاع في هذه المدينة؟
منذ عدة أشهر يتم الإعلان تباعاً بشكل شبه رسمي عن مشاريع تسويات في المحافظة. إلا أنها جميعاً فشلت في تحقيق الأهداف المرادة لها. فلا النظام تمكّن من فرض سيطرته الكاملة. ولا الفصائل استسلمت أو قبلت بتسوية بشروط النظام. ولا روسيا تمكّنت من إحداث خرق حقيقي لموقف الفصائل.
فيما يتعلق بخيارات النظام في درعا يمكن القول بأنه أمام خيارين لا ثالث لهما. وكلا الخيارين له ثمن قاسٍ قد لا يستطيع النظام تحمّله. الخيار الأول يتمثل في إبقاء الوضع على ما هو عليه. وبالتالي استمرار استنزاف قواته من خلال عمليات الاغتيال النشطة في المنطقة. والتي قد تسفر عن خروج المنطقة بالكامل عن سيطرته.
السيناريو الثاني وهو الاتجاه لعملية عسكرية تنتهي كالعادة بتهجير قسم من الفصائل إلى الشمال السوري. وهذا الخيار يعتبر في متناول يد النظام عسكرياً. وذلك بسبب تراجع مستوى تسليح الفصائل بعد تسوية عام 2018م. لا سيما بعد أن تم تسليم السلاح المتوسط والثقيل للنظام.
يعتبر سيناريو الحل العسكري خطيراً للغاية بالنسبة للنظام لا سيما أن تكلفته الحقيقية هي تكلفة سياسية. فروسيا على الأرجح لن تسمح للنظام بهكذا أمر. فهي تسعى للتسويق دولياً بأن مناطق النظام آمنة وبالإمكان البدء بإعادة الإعمار. كما أن هذا الخيار في حال تم اتخاذه سينتهي بتشديد الحصار على النظام الذي يعاني اقتصادياً ولا يستطيع تحمّل عقوبات جديدة.
بالمحصلة من المرجّح أن تقوم روسيا بجولات جديدة من المحاولات لعقد تسوية بين الفصائل والنظام. ومن المتوقع تقديم بعض التنازلات من النظام لا سيما فيما يتعلق بمطالبه بترحيل 15 شاباً من درعا البلد إلى الشمال السوري. وبالعموم من المتوقع أن تبقى الأوضاع في درعا متوترة لحين إيجاد تسوية شاملة للقضية السورية.