يُعدّ مشروع الخصخصة الشعبية في سوريا نموذجًا جديدًا وطموحًا يعكس توجُّهًا نحو إشراك المواطنين بشكل مباشر في ملكية الموارد الوطنية، وتحويلهم من مُتلقّين للنتائج إلى شركاء فعليّين في العملية الاقتصادية. وبرغم ما يحمله هذا النموذج من إيجابيات عديدة على مستوى تحقيق العدالة الاجتماعية، وتعزيز الانتماء الوطني وتوسيع قاعدة الملكية، فإنه لا يُعدّ حلًّا عامًّا أو بديلًا شاملًا عن نماذج الخصخصة التقليدية المُعتمَدة في العديد من الدُّوَل، مثل: BOT وPPP.
فمِن حيث المبدأ، تبرز الخصخصة المجتمعية كخيار فعَّال في حالات معيَّنة، خاصةً في المؤسسات أو المشاريع ذات رأس المال المتوسط، التي يمكن تمويلها عبر مساهمات شعبية دون الحاجة إلى تمويل خارجي كبير. إلا أن تعميم هذا النموذج على كافَّة مؤسسات القطاع العام يتجاهل الواقع المالي واللوجستي المعقَّد لعددٍ من القطاعات الإستراتيجية. فهناك مؤسسات حكومية لا يمكن، ولا يجب، التخلّي عن ملكيَّتها لصالح القطاع الخاص؛ نظرًا لأهميَّتها السيادية أو لأسباب تتعلق بالأمن الوطني، مثل: قطاعات البنية التحتية.
كما أنّ العديد من مؤسسات القطاع العام السوري تحتاج اليوم إلى إعادة تأهيل بتكاليف ضخمة، تصل أحيانًا إلى مليارات الدولارات. في هذه الحالة، من الصعب الاعتماد على الملكية المجتمعية فقط كمصدرٍ للتمويل، في ظل محدودية القدرة الشرائية لمعظم المواطنين نتيجة تدهور الدخل وارتفاع معدَّلات الفقر. لذا فإن الشراكات مع القطاع الخاص -سواءٌ المحلي أَم الأجنبي- تصبح خيارًا واقعيًّا لا يمكن تجاهُله، خاصةً إذا رافقها تنظيم قانوني صارم يضمن العدالة والشفافية ومنع الاحتكار.
من جانبٍ آخر، فإنّ بعض المشاريع ذات الطبيعة التقنية المعقَّدة تتطلب خبرات تنفيذية وإدارية غير مُتوفّرة محليًّا؛ مما يفرض الحاجة إلى التعاقد مع شركات دولية تمتلك التكنولوجيا والقدرات الإدارية اللازمة، وهو ما يتوفّر في نماذج مثل: BOT وPPP. وفي مرحلة إعادة الإعمار التي قد تتجاوز تكلفتها 300 مليار دولار، لا يمكن الركون فقط إلى نموذج الخصخصة الشعبية لتأمين هذه الموارد.
الخلاصة أنّ مشروع الخصخصة الشعبية يحمل رؤيةً وطنيةً أصيلة تستحق النقاش والتطبيق في أُطُر محدَّدة، لكنه لا يمكن أن يشكّل بديلًا شاملًا أو وحيدًا لنماذج الخصخصة الأخرى. بل إن الأفضل هو تبنّي نموذج هجين يراعي خصوصية كل قطاع ومؤسسة، ويوازن بين السيادة الوطنية والكفاءة الإدارية والاستدامة المالية، ويضع في الحسبان المصلحة العامة بعيدًا عن أي تعميم مُفرط أو إقصاء لنماذج الخصخصة التقليدية التي أثبتت نجاعتها في العديد من الدول.