يقف السوريون مراقبين لتسارع عملية التطبيع العربي والإقليمي مع النظام السوري. منتظرين ما تحمله الأشهر المقبلة من تغيرات سياسية قد تكون جذرية. وتطال ظروف حياتهم بشكل مباشر. فإما تطبيع تام للعلاقات مع النظام بدون تغيير حقيقي. وبالتالي عودة السوريين للمربع الأول. أو تطبيع مشروط يحقق بعض مطالبهم.
في الحقيقة شهدت السنوات الأخيرة عموماً تقارباً عربياً بسيطاً مع النظام. ظهر من خلال خفوت الأصوات المطالبة بإسقاطه وفتح علاقات اقتصادية معه. وإن كانت في الحدود الدنيا. لكن في الأشهر الأخيرة شهد مسار التطبيع قفزات متسارعة. خاصةً مع بعض دول الخليج. أولها كان مع الإمارات وحالياً مع السعودية.
تعد زيارة وزير الخارجية السعودي إلى دمشق ولقاءه الأسد الخطوة الأهم على مسار التطبيع. وهو ما يشي بأن هناك تقدماً واضحاً في هذا المسار. وهذا ما قد يعزز من صحة الطرح الإعلامي بأن الأسد قد يحضر القمة العربية الشهر المقبل.
مسار التطبيع مع النظام لا بد من النظر إليه من خلال المسار السياسي العام في منطقة الشرق الأوسط. فالمنطقة شهدت خلال قرابة العقد توترات سياسية حادة واصطفافات واضحة. إلا أن مسار التهدئة يسير بسرعة كالمصالحة الخليجية الخليجية والخليجية التركية والتركية المصرية. ومؤخراً السعودية الإيرانية.
من المبكر الحديث عن نجاح مساعي التطبيع وعودة النظام إلى الجامعة العربية. وإن كانت المؤشرات الحالية تشي بتحقيق تقدم ملموس في هذا المجال. فعلى الرغم من معارضة بعض الدول العربية للتطبيع. إلا أنه ووفقاً لنظام الجامعة العربية فإنه بالإمكان إعادة النظام لشغل مقعده دون الحاجة لإجماع عربي. فالأغلبية تكفي قانونياً لكنها لا تكفي سياسياً.
يبدو أن هناك رغبةً سعوديةً بأن يكون قرار عودة النظام إلى الجامعة العربية بالإجماع. على الرغم من أن ميثاق الجامعة يشترط موافقة ثلثي الأعضاء فقط. وهذا ما تمت الإشارة إليه صراحةً في الفقرة الأولى من المادة الثانية عشرة من ميثاق الجامعة. ولهذا دعت السعودية للاجتماع التشاوري الأخير.
من جهة أخرى فإن مسار التطبيع يتعارض مع التوجه الغربي خاصةً الأمريكي. الذي يرى أن التطبيع مع النظام تجاوز لإرادته. وقد قام بتحذير الدول المتقاربة معه. غير أنها لم تتخذ حتى الآن أي إجراءات فعلية بحق المتقاربين مع النظام. وهو ما يفتح التساؤلات حول حقيقة وجدية الموقف الأمريكي.
كما أن المطالب العربية من النظام لتفعيل التقارب تبدو صعبة من وجهة نظر النظام. فعلى الرغم من عدم وجود إعلان رسمي للشروط العربية إلا أنها تتمحور حول وقف تصدير المخدرات. والحد من النفوذ الإيراني. وإشراك فعلي للمعارضة في الحل السياسي المرتقب. وبعض هذه المطالب قد يصعب على النظام تنفيذها.
بالطبع إن القرب الزمني لزيارة وزير خارجية النظام إلى الرياض. وزيارة وزير الخارجية السعودي لدمشق. تشير إلى وجود مفاوضات حول التطبيع. وأن هذه المفاوضات بلغت مرحلةً تتطلب اللقاء المباشر.
من هنا فإن زيارة الوزير السعودي لدمشق على الأغلب أنها لاختبار جدية النظام في تنفيذ شروط التطبيع. ومن المتوقع أنها تشمل مطالب إيقاف تصدير المخدرات إلى دول الخليج. وتحجيم دور إيران العسكري. واقتصاره على قواعد عسكرية تلتزم بالعمل ضمنها دون وجود انتشار على كامل الجغرافية السورية.
من المتوقع أن تشمل الشروط السعودية كذلك ضمان أمن اللاجئين الراغبين بالعودة. والإفراج عن المعتقلين السياسيين. وحل ملف المفقودين. وضمان إجراء انتخابات رئاسية بمشاركة فعلية من المعارضة. في ظل مراقبة وإشراف من جامعة الدول العربية.
في حال تم التوصل لاتفاق من الممكن أن يتم إعادة النظام بشكل جزئي إلى الجامعة العربية. كأن تكون الإعادة سياسية. مع علاقات اقتصادية في الحدود الدنيا. ومنحه مهلة زمنية لتحقيق المطالب. وفي حال التزامه بها يتم تفعيل التطبيع التام.
في الواقع سوف يدفع السوريون فاتورة التطبيع في كل الأحوال. من خلال إعادتهم للمربع الأول. وإغلاق ملف المعتقلين والمفقودين. مع عدم وجود ضمانات حقيقية بعدم ملاحقة المطلوبين للنظام. وعدم وجود انتقال سياسي حقيقي في البلاد. هذا مع تصاعد مخاوف التطبيع التركي مع النظام. على الرغم من العرقلة الحالية.
من ناحية أخرى يشكل الموقف الأمريكي الضمني عاملاً حاسماً في مسار التطبيع. كما أن موقف الصين يعد مرجحاً. وإن لم يكن بمستوى تأثير الموقف الأمريكي. فعلى الرغم من صعود الدور الصيني في المنطقة إلا أنه ما يزال قاصراً عن منافسة الدور الأمريكي منافسة حقيقية.
في الحقيقة مخاوف السوريين مشروعة. فالعودة للمربع الأول بعد كل الخسائر والتضحيات تعد نكسةً حقيقية. وخيبة أمل كبيرة من دول تعهدت بالوقوف باسم صداقة الشعب السوري. غير أن هذا الشعب في اللحظات الحرجة لم يجد أياً من هؤلاء الأصدقاء.
في الواقع ملايين الدولارات صرفتها هذه الدول في إغاثة الشعب السوري. لكنها لم تغير من حاله وواقعه. بل على العكس كانت سبباً لاستمرار المشكلة. حيث العسكرة وتفتيت المرجعيات السورية.
في النهاية الرهان الحقيقي لتبدل واقع الملف السوري مرهون بإرادة السوريين أنفسهم. ما لم يتوفر مشروع حقيقي يجمع ما فقده السوريون. وإلا فإن هذه الدول سوف تلتفت لمصالحها أولًا وأخيرًا. وفي حال تقاطعت مصالحها مع مصالح السوريين يجب أخذ مصالح الشعب السوري بعين الاعتبار. وإلا فإن الخسارة التامة ستكون من نصيبهم.