سجل الدولار الأمريكي أعلى قيمةً له خلال عقدين. فمؤشر الدولار بلغ 114 نقطة. مدفوعاً بعدة عوامل أبرزها سعر الفائدة الأمريكي والسياسة النقدية المتشددة للبنك الفيدرالي الأمريكي. إلا أن هذه القوة قد تتأثر بحجم الديون الأمريكية القياسية. وهو ما يتطلب تحديد مستقبل الدولار بين التأثير الإيجابي لسعر الفائدة والتأثير السلبي للديون.
بلغت الديون الأمريكية في عام 2022م أرقاماً قياسية. فالدين الأمريكي العام “الدين الحكومي” 31,4 تريليون دولار. وذلك بعدما بلغ في عام 2021م ما يقارب 28 تريليون دولار. فيما يصل حجم الدين على الشركات والمؤسسات الاقتصادية 24 تريليون دولار. مع 16 تريليون دولار حجم الدين للعوائل والأسر.
يعد الدين الأمريكي مرتفعاً بشكل عام. ومما عزز ارتفاعه في السنوات الأخيرة الإنفاق الأمريكي العام في ظل جائحة كورونا. وحزم التحفيز الاقتصادي التي بلغت قيمتها 5 تريليونات دولار. إضافةً لتعثر بعض الشركات وهو ما سبب ارتفاع ديونها. أما ديون الأسر فمن أهم أسبابها السياسة النقدية التحفيزية عقب الإغلاق الاقتصادي خلال جائحة كورونا في ظل سعر الفائدة المنخفض آنذاك.
تؤثر الديون سلباً على قيمة العملات لا سيما الديون الخارجية. نظراً لكون خدمة الدين تسبب تراجعاً في أرصدة العملات الأجنبية. وهو ما يقود لتراجع العرض من العملات الأجنبية وبالتالي انخفاض قيمة العملة الوطنية. فكلما ارتفعت قيمة الديون في أي دولة سبب هذا ضغطاً على العملات الوطنية للدول.
تعد الديون الأمريكية حالةً خاصةً وذلك لعدة أسباب. أولها أن الديون الأمريكية في غالبيتها مقومة بالدولار الأمريكي وهي العملة الوطنية الأمريكية. إضافةً لكون جزءاً من الديون الأمريكية لا سيما بعض ديون الشركات وغالبية ديون الأسر ديون محلية. وهو ما يقلل من تأثيرها على قيمة الدولار.
على الرغم من ضخامة قيمة الديون الأمريكية إلا أن هناك عدة أسباب تقف خلف قوة الدولار وتمنع تراجعه. أولها الثقة العالية بالدولار النابعة من الثقة بالاقتصاد والسياسة والقوة العسكرية الأمريكية. ما انعكس على تصدر الدولار قائمة العملات الاحتياطية بالعالم. بما يعادل 59% من الاحتياطي النقدي العالمي.
السبب الثاني أن معظم السلع والمواد الخام يتم تسعيرها بالدولار. فالبترول وحوامل الطاقة الأخرى بالإضافة للمعادن والمواد الغذائية وحتى الخدمات يتم تسعيرها بالدولار. وهو ما يعني طلباً عالمياً مرتفعاً على الدولار وهو ما يدعم قيمته. بغض النظر عن قيمة الديون المرتفعة.
أما ثالث الأسباب فهي الزيادة الكبيرة التي يقررها حالياً البنك الفيدرالي الأمريكي على نسبة الفائدة. حيث وصلت العوائد على السندات الحكومية الأمريكية لمستويات مغرية. إضافةً لجاذبية الدولار للاستثمار مقابل الأصول الأخرى كالعملات الأخرى والذهب. وهو ما يدعم الطلب على الدولار وبالتالي تزداد قيمته.
السبب الرابع والأخير يتعلق بأرقام الدين نفسها. حيث إن الممول الرئيسي لهذا الدين هي المؤسسات الأمريكية. وعلى رأسها الفيدرالي الأمريكي. كما أن البنوك المركزية حول العالم تحوّل معظم مدخراتها لتمويل الدين الأمريكي من خلال شراء السندات الحكومية. بل هناك قروض لتمويل مشروعات خارج أمريكا بالدولار نفسه. وهو ما يجعل من مصلحة الجميع بقاء الدولار على القمة وعدم اهتزاز الثقة فيه.
إضافةً للأسباب السابقة فإن قيمة الدولار مدعومة بالاتفاقيات الدولية. فاتفاقية بريتون وودز هي التي مهّدت لتأسيس صندوق النقد الدولي. وهذه الاتفاقية نصت على أن الدولار هو عملة العملات. مع إلغاء دور الذهب. وهذا ما يساهم بشكل رئيس بدعم الدولار والحفاظ على قيمته وحضوره الدولي.
إن مستقبل قيمة الدولار محكوم بعدة عوامل. منها توجهات بعض الدول لاستبدال الدولار بعملات أخرى. إضافةً للعقوبات الأمريكية على بعض الدول من خلال تجميد الأرصدة. وهو ما يدفع بعض الدول للتخلي عن الدولار. وهو ما يعني تراجع الطلب عليه وبالتالي تراجع قيمته.