شَارِك المَقَال

منذ توقيع اتفاقية سايكس بيكو عام 1916، والشرق الأوسط يعيش حالة دائمة من التوتر وعدم الاستقرار. على مدى أكثر من قرن، شهدت المنطقة عشرات الانقلابات والحروب، بدءًا من تركيا وسوريا، مرورًا بالعراق ومصر. في سوريا وحدها حدثت عشرة انقلابات عسكرية، في مؤشر على حجم الاضطراب الذي رافَق مسار الدولة الوطنية في العالم العربي.

 

وترجع جذور هذا التوتر إلى عدة عوامل؛ أهمها الصراع بين المعسكرين الشرقي والغربي خلال الحرب الباردة، ومساعي القوى الكبرى للهيمنة على المنطقة. كما أن الصراع العربي الإسرائيلي شكَّل أحد أبرز مصادر التوتر؛ حيث اندلعت أكثر من عشر حروب دون التوصُّل إلى تسوية نهائية، وسط انسداد سياسي دائم.

 

وفي عام 2013، نشرت صحيفة نيويورك تايمز تقريرًا تحدَّث عن مخطَّط غربي لتقسيم دول المنطقة، ومنها سوريا والعراق ولبنان ومصر وليبيا. وبغضّ النظر عن دقّة هذه الادعاءات؛ فإن التدخلات الغربية، خصوصًا الأمريكية، أثبتت على مدى العقود الماضية أنها لم تكن في مصلحة شعوب المنطقة، بل ساهمت في تعميق الفوضى والصراعات. غزو العراق عام 2003، والدعم الأمريكي لإسرائيل؛ كلها شواهد على سياسة أمريكية لم تكن عادلة أو متوازنة. والسبب الرئيس خلف هذه السياسات تمثَّل في أن استمرار التوتر في الشرق الأوسط يخدم مصالح واشنطن، عبر تعزيز الوجود العسكري، ومَنْع القوى المنافسة مثل روسيا والصين من التوسُّع في المنطقة. فالشرق الأوسط غنيّ بالثروات، وموقعه الجغرافي يجعل منه ساحة رئيسة في الصراع الدولي.

 

لكن اليوم، يبدو أن السياسة الأمريكية تشهد تحوُّلًا واضحًا. إدارة ترامب الجديدة تُبدِي اهتمامًا بتحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط، وقد ظهرت ملامح هذا التحوُّل من خلال زيارة ترامب لدول الخليج، ووعوده بدعم هذه الدول في مجال الذكاء الاصطناعي، الذي يُتوقَّع أن يتفوق على النفط في أهميته خلال العقود المقبلة.

 

وفي الملف السوري، تم تعليق جزء من العقوبات، ولقاء ترامب مع الرئيس الشرع يحمل دلالات سياسية كبيرة؛ أبرزها الاعتراف بشرعية الدولة السورية. وفي تركيا أيضًا، تحسَّنت العلاقات مع واشنطن، بعد توتُّر كبير في الولاية الأولى؛ حيث وصف ترامب الرئيس أردوغان بالصديق، في إشارة إلى وجود رغبة في فتح صفحة جديدة.

 

تغيير السياسة الأمريكية له دوافع إستراتيجية؛ فواشنطن لم تَعُد ترغب في استنزاف مواردها في صراعات جانبية، بل تسعى للتركيز على التحدّي الصيني. كما أن مشروع الربط الاقتصادي بين الهند وأوروبا عبر الشرق الأوسط، يتطلب استقرارًا حقيقيًّا في الإقليم.

 

من هنا، يبدو أن السنوات القادمة قد تحمل حلولًا لعدد من الملفات المعقَّدة، كالقضية الفلسطينية، والبرنامج النووي الإيراني، والأزمة السورية. فالمصالح هي التي تحكم السياسة، واليوم مصلحة أمريكا في شرق أوسط مستقر وآمِن، ما يعني أن المنطقة مُقبِلة على مرحلة جديدة عنوانها: الاستقرار والتنمية.

 

شَارِك المَقَال