بعد تجاوز الحرب الروسية الأوكرانية العام والنصف. وفشل موسكو في حسمها بالسلاح التقليدي. وفشلها في حسمها عن طريق الضغط بملف الغاز. بدأت موسكو بتجريب سلاح الغذاء. والذي يستهدف غالبية دول العالم. ويهدف للتأثير على موقف الدول الغربية ودفعها للقبول بالتفاوض وفقاً للشروط الروسية.
في العام الماضي هدد بوتين إنتاج الغذاء العالمي من خلال التلميح إلى أن نقص الأسمدة أمر لا مفر منه. وبدأت روسيا في مراقبة الصادرات إلى الدول المعادية. وبدأت التكهنات بقطع صادرات أوكرانيا من الحبوب. وهي جزء أساسي من سوق التصدير العالمي. ولاحقاً أعلن رئيس الوزراء الروسي ميدفيديف أن الطعام سلاح هادئ في الحرب.
أما في نهاية يوليو الفائت فقد أصدرت روسيا قرارها بتعليق مبادرة حبوب البحر الأسود. وهو التعليق الثالث والمستمر حتى الآن. وهو ما يعني إيقاف تصدير 220 ألف طن من الحبوب. كما دمرت ضربات الطائرات بدون طيار المستودعات والصوامع الأوكرانية. والتي كانت تحوي ما يكفي لإطعام 66 مليون شخص ليوم واحد.
في الواقع تقدم روسيا ما يصل إلى ثلث واردات القمح للشرق الأوسط وإفريقيا. وتحصل تركيا على 85% من القمح من روسيا وأوكرانيا. كما اشترى برنامج الغذاء العالمي نصف قمحه من منطقة البحر الأسود في عام 2021م.
علاوةً على ذلك تمثل أوكرانيا 10% من سوق القمح العالمي. و15% من سوق الذرة. و13% من سوق الشعير. كما أنها لاعب عالمي رئيس في سوق زيت عباد الشمس. ولذلك فإن منعها من تصدير الحبوب يمكن أن يدفع ما يصل إلى 47 مليون شخص إلى انعدام الأمن الغذائي الحاد.
من خلال هذا السلاح تسعى موسكو لدفع الغرب لتسهيل صادرات الحبوب الروسية من خلال تخفيف العقوبات المصرفية المفروضة عليها. ولذا فإن من المتوقع أن تقوم موسكو بتصدير 47,5 مليون طن متري من القمح خلال موسم 2023-2024م. أي أكثر من ضعف الكمية التي صدرتها قبل عقد من الزمن.
في الحقيقة ارتفع مؤشر أسعار الحبوب العالمي بنسبة 10% في أواخر يوليو الماضي. ومن المتوقع أن يرتفع بنسبة 20٪ بنهاية الصيف الحالي. ما يعزز من حالة الجوع التي أصابت الأشخاص الأكثر احتياجاً في العالم. والآن على برنامج الأغذية شراء الحبوب بسعر أعلى. وتقلصت حجم الحصص الغذائية المقدمة للأفراد أو تقليل عدد الأشخاص الذي يمكن إطعامهم.
أعلن الاتحاد الأوروبي عن ممرات تضامن مع أوكرانيا. وهي عبارة عن طرق مكونة من السكك الحديدية البرية والطرق والممرات المائية الداخلية التي يمكن لأوكرانيا تصدير الغذاء من خلالها. بينما عرضت كرواتيا استخدام ميناء رييكا. وعرضت دول البلطيق موانئها الخاصة لاستخدامها في التصدير.
لكن المشكلة أن تلك الطرق البرية معقدة ومكلفة. فالدول المجاورة تفرض الكثير من الفحوصات على الحبوب. وتحت ضغط من مزارعيها حظرت واردات الحبوب الأوكرانية. ومنعت استهلاكها محلياً. كما أن الشحن من موانئ البلطيق أو غيرها من موانئ أوروبا الغربية لإفريقيا أو آسيا مكلف للغاية.
في النهاية مع تزايد ارتفاع أسعار الحبوب والغذاء سيتعين على واشنطن والغرب إما قبول الحصار الروسي وتحمل تبعاته أو تقديم تنازلات لموسكو. وبشكل عام فإن الدول الفقيرة هي التي ستتحمل بشكل رئيس تبعات استخدام الغذاء كسلاح.