شهدت #الليرة_السورية خلال سنوات الحرب السورية تراجعًا مستمرًّا، ولكن كان تراجعًا بطيئًا نسبيًّا. على الرغم من أن سعر الدولار كان يساوي 47 ليرةً في عام 2011، إلا أن سعره بلغ مع بداية عام 2020 ما يقارب 900 ليرة. وفي وبداية عام 2021 بدأت الليرة في الانهيار السريع، ليبلغ الدولار في بداية مارس 4,000 ليرة. فهل سيستمر تدهور الليرة السورية، وهل من أفق لها؟
تتعدد الأسباب المؤدية لتراجع #الليرة_السورية، منها ما هو قديم نسبيًّا وآخر جديد. كما يمكن تقسيم الأسباب أيضا لذاتية وموضوعية، أو داخلية وخارجية. فمن الأسباب الداخلية آثار الحرب في #سوريا والتي سببت تراجع التصدير، نتيجة لذلك تراجعت إيرادات النظام. بناء على ذلك تراجعت الإيرادات بالدولار.
ومن الأسباب الداخلية أيضا ارتفاع حدة الفساد في حكومة النظام، نتيجة لذلك تدنت المتحصلات الضريبية علاوة على أنها سببت تهريب الدولار الموجود إلى الخارج. بناء على ذلك ازداد الضغط على الليرة. كما أن غالبية السوريين بدءوا بتحويل مدخراتهم إلى الدولار خوفًا من انهيار الليرة. بسبب ذلك ازداد عرض الليرة وازداد الطلب على الدولار، بالتالي سبب هذا الأمر عامل ضغط مزدوج على الليرة.
تعتبر الأسباب الخارجية الأهم في انهيار الليرة، ومنها على وجه الخصوص الأزمة الاقتصادية في #لبنان. وهنا يدعي النظام السوري بتجميد مليارات الدولارات للسوريين في #المصارف_اللبنانية، والتي قدرها النظام بين 20 – 40 مليار دولار. والتي شكلت صدمةً لاقتصاد النظام، بالتالي انخفض عرض الدولار في اقتصاد النظام وارتفعت قيمته أمام الليرة.
شكل لبنان الرئة الاقتصادية للنظام السوري طيلة الحرب، لذلك فإن تعطل هذه الرئة أدى لضغط حاد على اقتصاد النظام وبالتالي على الليرة. كما أن انهيار الليرة اللبنانية أدى لتهريب الدولار من سوريا إلى لبنان بالتالي ازداد الضغط على الليرة السورية.
يشكل #قانون_قيصر عاملًا ضاغطًا على الليرة السورية في الوقت الحالي، فالعقوبات الأمريكية أدت لحصار خانق لاقتصاد النظام. نتيجة لذلك باتت عملية إمداد النظام بالموارد من قبل الحلفاء أمراً صعباً. فالعقوبات المصرفية صعبت من إمكانية تنفيذ خطوط الائتمان بين النظام و بين حلفائه، كما صعبت العقوبات الجديدة من إمكانية مده بالموارد.
أدت #أزمة_كورونا والإغلاق الاقتصادي لتراجع اقتصاد حلفاء النظام، نتيجة لذلك تراجع الدعم المقدم له. لاسيما عملات #إيران و #روسيا،فهي ليست بأفضل أحوالها، ممّا انعكس سلبًا على الليرة السورية. كما أن العقوبات الأمريكية على إيران أضعفت من الدور الإيراني في دعم اقتصاد النظام وبالتالي الليرة السورية.
تشكل العقوبات الأمريكية الجديدة على أشخاص سوريين طبيعيين واعتباريين عاملًا ضاغطًا جديدًا على الليرة السورية. لاسيما العقوبات على #المصرف_المركزي، فهذه العقوبات ستحاصر أي إيرادات محتملة لاقتصاد النظام.
الأسباب السابقة في الواقع هي أسباب قديمة متجددة في #الحرب_السورية. حاليا و ممّا عقد أوضاع الليرة السورية طرح النظام لورقة نقدية من فئة 5,000 ليرة. والتي شكلت ضربةً قاضيةً لليرة، نتيجة لذلك ازداد معروض الليرة في السوق السورية، ولذلك تسارعت وتيرة انهيار الليرة.
تقدر كمية الليرات السورية التي طرحت في ظل طباعة فئة 5,000 ليرة بأكثر من 1,100 مليار ليرة سورية. وهو بالطبع رقم ضخم بالنسبة لاقتصاد ضعيف كالاقتصاد السوري، ممّا أدى لإغراق السوق بالليرة فانهارت قيمتها بشكل حاد، ومن المتوقع استمرار الانهيار. كما أنه و من ناحية أخرى من المتوقع أن العامل النفسي سيزيد من وتيرة الانهيار. ولذلك فإن غالبية السوريين يسعون للتخلي عن الليرة لصالح الدولار أو الذهب.
و ممّا ساعد في تسريع وتيرة الانهيار رفع سقف القروض في سوريا وافتتاح مؤسسات تمويلية جديدة لمنح القروض أيضا. زيادة على ذلك أصدر الأسد مؤخراً قرارًا يسمح بإنشاء مؤسسات تمويل جديدة تمنح قروضًا للسوريين. ممّا سبب زيادةً حادةً في عرض الليرة السورية و بالتالي تدهور قيمتها.
فيما يخص علاج واقع الليرة فهو لا يمكن أن يتم إلا وفق مسارين لا ثالث لهما. الأول زيادة عرض الدولار في السوق السوري، إلا أن هذا الأمر خارج قدرة النظام ولا سيطرة له في هذا الأمر. والثاني تخفيض عرض الليرة في السوق، وهذا الأمر في الواقع ممكن ولكن دونه عقبات عدة تجعل من تطبيقه بحاجة لأشهر طويلة.
تخفيض عرض الليرة يمكن أن يتم بعدة وسائل، وأول ما يجب اتخاذه هنا إيقاف القروض قبل كل شيء. وهذا الأمر في الواقع يمكن تطبيقه بسهولة، بالإضافة إلى ذلك يجب سحب جزء كبير من الليرة من السوق، والسحب يتم من خلال المصارف الحكومية والخاصة. إلا أن هذا الأمر يحتاج لوقت طويل وذلك بسبب تراجع دور المصارف وقلة الحركة المصرفية. فالأموال التي تدخل المصارف تعتبر في حدها الأدنى.
النظام عقد المشهد الاقتصادي وواقع الليرة من خلال طرحه فئة 5,000 ليرة. و كما أسلفنا فسحب الفائض النقدي الذي سببه هذا الطرح بحاجة لعدة أشهر لعلاجه. لذلك يجب إيقاف طرح الأوراق التي لم تطرح بعد.
يعتبر الواقع السوري الاقتصادي معقدًا. فالسياسات النقدية للنظام وللبنك المركزي السوري أدخلت الاقتصاد السوري في متتالية هندسية تسبب تضاعف الأثر الاقتصادي السلبي. و في الواقع فإن الخاسر الأكبر في هذه الأمور هم السوريون. ومن المتوقع في المدى المنظور أن يستمر تدهور الليرة السورية.