بعد مفاوضات طويلة “فاشلة” لتعديل بنود الاتفاق بينهما. ونتيجة عجز سيرلانكا عن سداد ديونها للمارد الصيني. استولت حكومة بكين على ميناء هامبانتوتا و15 ألف فدان من الأرض السيريلانكية. حادثة أخرى لكن مع باكستان. حيث استولت الصين على ميناء جوادار الباكستاني بعقد إيجار لمدة 40 عاماً بعد أن احتفظت بنسبة 90% من إيراداته.. لماذا؟ بسبب عجز حكومة إسلام آباد عن السداد.
في الحقيقة إن الصين تُقرض ليس لكسب الود فقط وإنما للاستثمار في المقام الأول. فإن فشلت الدول المقترضة في الوفاء بالتزاماتها تجاه المستثمرين الصينيين فإنهم لا يستسلمون. بل لديهم حلول أخرى “دائماً”. حلول لا تطرح للمرة الأولى ولكنها مشروطة في العقود المبرمة بين الطرفين. والسؤال هنا: ماذا بعد سيرلانكا وباكستان؟ هل تكون أوغندا الضحية الجديدة لفخ الديون الصينية؟
في الحقيقة هناك تقارير إعلامية تحدثت في الأيام القليلة الماضية عن احتمالية استحواذ الصين على مطار عنتيبي الدولي في أوغندا. بعد فشل الأخيرة في الوفاء بديونها للصين. الأمر وافق هوى الكثير من المحللين والخبراء الاقتصاديين الغربيين الذين يلمحون لسياسة بكين في فرض نفوذها على الدول الفقيرة. ويسمونها سياسة “فخ الديون”.
بصفة عامة تستند السياسة الصينية -بحسب وصفهم- على إقراض الدول المتعثرة بشروط مجحفة للسداد تمكن الصين مستقبلاً من السيطرة على أصول الحكومة حال فشلت في سداد الديون.
في الواقع إن ما يعزز الشكوك الغربية هو القروض الصينية الضخمة للبلدان الفقيرة. فمثلاً: شاركت بكين منذ 2015م بنحو 11 مليار دولار في الطريق المغربي السريع الذي يربط بين الصحراء المغربية وليبيا. علاوة على الاستثمار في مشروعات البنية التحتية في دول شرق إفريقيا المحورية في المشروع الضخم “الحزام والطريق” بنحو 29 مليار دولار. حيث ساهمت الصين في تدشين خط سكة حديد قياسي يربط مومباسا بنيروبي وخط السكة الحديد الكهربائي من أديس أبابا لجيبوتي. بالإضافة إلى قاعدة بحرية في جيبوتي
من ناحية أخرى عقدت ناميبيا شراكة مع الصين وبنك التنمية الإفريقي في 2013م لتوسيع ميناء محلي بقيمة 300 مليار دولار. وحصلت أنجولا على تمويل من الصين يبلغ نحو 4.5 مليار دولار لتدشين محطة طاقة كهرومائية. كذلك فإن بنك التنمية الصيني موَّل -اعتباراً من 2018م- نحو 500 مشروع في 43 دولة إفريقية بقيمة 50 مليار دولار. حتى باتت الصين تمثل 20% من إجمالي ديون 8-10 دول إفريقية.
عودةً إلى أوغندا. ففي عام 2015م أقرض بنك التصدير والاستيراد الصيني “بنك إكسيم Exim ” حكومة أوغندا 207 مليون دولار بسعر فائدة 2%. وهي فائدة متواضعة نسبيا. مع فترة استحقاق تبلغ 20 عاماً تشمل مدة سماح أجلها 7 سنوات. ما يعني أن أوغندا لن تكون مطالبة بسداد أي شيء خلال السنوات السبع.
القرض كان مخصصاً لتوسيع مطار عنتيبي. في المقابل تنازلت الحكومة عن بند الحصانة الدولية الخاصة بأصولها السيادية من أجل ضمان حصولها على القرض. هذا التنازل يمنح المقرض الصيني إمكانية حيازة المطار دون اللجوء للتحكيم الدولي.
مرت السنوات وفشلت الحكومة في سداد القرض. واعتذر وزير المال الأوغندي ماتيا كاسايجا للبرلمان عن “سوء إدارة” القرض. وفي مارس الماضي أرسل الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني وفداً إلى بكين لإعادة التفاوض مع الحكومة الصينية في بنود اتفاق القرض. وفي مقدمتها بند إمكانية فقدان الأصول السيادية بما فيها المطار الدولي الوحيد في البلاد.
بند آخر هو “حاجة هيئة الطيران المدني الأوغندية (UCAA) للحصول على موافقة من المقرض الصيني لميزانيتها وخططها الاستراتيجية”. بند ثالث هو “أي نزاع بين بنك Exim وأوغندا يجب حله من قبل لجنة التحكيم الاقتصادي والتجاري الدولي الصينية”. لكن دون جدوى.
في النهاية إن النموذج الأوغندي وقبله الباكستاني والسيرلانكي. كلها نماذج لا يمكن تجاهلها من الدول الإفريقية وغير الإفريقية التي تفتح ذراعيها واسعاً للمارد الصيني. الذي يسعى لمضاهاة نفوذ العملاقين الأمريكي والأوروبي. والفوز بحصة كبرى من مقدرات الدول النامية وإغوائها بتقديم قروض تبدو علناً “وسيلة إنقاذ مثلى”. لكنها تحمل في طياتها استعماراً من نوع جديد.