في القرن التاسع، تأسَّست «روس كييف» في المنطقة التي تُعرَف اليوم بأوكرانيا، وكانت تُعدُّ النواة الثقافية والسياسية الأُولَى للشعوب السلافية الشرقية.
مع الزمن، تبنَّت موسكو هذا الإرث واعتبرته جزءاً من هويتها التاريخية، كما اعتبر كثير من القوميين الروس أن انفصال أوكرانيا عن روسيا بمثابة انقطاع «عن الأصل».
التطور التاريخي لاستقلال أوكرانيا
بعد فترة من الاحتلالات المختلفة (اللتواني، الألماني، البولندي، الروسي)؛ أصبحت أوكرانيا جمهورية تابعة للاتحاد السوفييتي في بدايات القرن العشرين. ورغم مَنْحها استقلالاً شكلياً، بقيت موسكو هي مركز القرار.
تعرَّضت أوكرانيا لواحدة من أسوأ المجاعات المصطنعة في التاريخ، «الهولودومور» (1932–1933)، والتي قضى فيها الملايين؛ نتيجة سياسات ستالين الزراعية القسرية. وقد خلّف هذا الجرح أثراً عميقاً في الوعي الأوكراني تجاه الروس.
في 1991، انهار الاتحاد السوفييتي، وأعلنت أوكرانيا استقلالها. لكنَّ موسكو لم تتقبَّل ذلك الاستقلال بسهولة، خاصةً في ظل وجود 22% من السكان من الروس أو الناطقين بالروسية في أوكرانيا، خصوصاً في الشرق والجنوب، بالإضافة إلى مصالح إستراتيجية هائلة مثل ميناء «سيفاستوبول» في شِبْه جزيرة القِرْم، مقرّ الأسطول الروسي في البحر الأسود.
أوكرانيا ساحة تنافُس بين روسيا والغرب
منذ الاستقلال، أصبحت أوكرانيا ساحة تنافُس بين روسيا والغرب. موسكو أرادت الحفاظ على نفوذها التاريخي، بينما أرادت كييف، خصوصاً بعد «الثورة البرتقالية» عام 2004م، الاقتراب من أوروبا والانضمام إلى حلف «الناتو» والاتحاد الأوروبي. هذا التَّوجُّه مَثَّلَ خطاً أحمر للكرملين.
في عام 2014، أطاحت احتجاجات شعبية بالرئيس فيكتور يانوكوفيتش المُوالِي لروسيا، وهو ما اعتبرته موسكو انقلاباً مدعوماً من الغرب.
وردّاً على ذلك؛ اجتاحت القوات الروسية شبه جزيرة القِرْم وضمَّتها رسمياً. كما دعّمت موسكو حركات انفصالية في دونيتسك ولوغانسك بشرق أوكرانيا، وبدأ صراعٌ دمويّ استمرَّ سنوات، أسفر عن مقتل الآلاف.
في فبراير 2022، شنّت روسيا عملية عسكرية شاملة ضد أوكرانيا، قالت: إنها تهدف إلى «نزع السلاح» و«اجتثاث النازية»، بينما اعتبرها الغرب محاولة لإعادة تشكيل الحدود بالقوة.
اشتعلت حربٌ مفتوحة، واجهتها أوكرانيا بمقاومة شرسة، وبدعم عسكريّ غربيّ واسع. لكنَّ الحرب لم تكن فقط عسكرية، بل امتدَّت إلى جبهات الطاقة والغذاء والتحالفات الدولية.
تداعيات الصراع في أوكرانيا
لم يَعُدِ الصراعُ مُجرَّد نزاعٍ بين دولتين. بل أصبح مسرحاً لاختبار التوازن العالَمي بين روسيا من جهةٍ، والولايات المتحدة وحلفائها من جهة أخرى.
تداعياته شملت أَمْن أوروبا، مستقبل الناتو، أسواق الطاقة، وأمن الغذاء العالمي. أما أوكرانيا، فصارت ساحة لمعركة أكبر من حجمها.
تاريخ الصراع الروسي الأوكراني هو قصة نزاع طويل بين الجغرافيا والتاريخ، بين إرث الإمبراطوريات وطموحات الدول الحديثة، بين رغبة شعب في تقرير مصيره، وقلق دولة عظمى من فقدان مجالها الحيوي.
ومع استمرار الحرب، يبقى السؤال: هل ستكون نهاية هذا الصراع بوابةً لحربٍ أوسع، أم بداية لتسوية تاريخية تُعيد رسم خرائط النفوذ من جديد؟