تُواجِه إسرائيل ضغوطًا عالميَّة مُتزايدة لوَقْف عُدْوانها على غزة، ولا شَكّ أنَّ إسرائيل تَخْسر خسائر ضَخْمَة على مستوى جميع القطاعات. وإن كانت غزَّة تخسر الكثير من أبنائها وأطفالها ونسائها، وبِنْيتها التَّحتيَّة، فتلّ أبيب تَخْسر الكثير من الدَّعْم الدّوليّ، والذي عاشت عليه لفتراتٍ طويلةٍ من الزَّمن؛ بدايةً من تأسيسها، وحتى حرب غزَّة الأخيرة.
أُولى المَشاهِد، بدأت مَطْلع ديسمبر الجاري، حين حذَّر وزير الدِّفاع الأمريكي “لويد أوستن” من أنَّ إسرائيل تُخاطِر باستبدال “النَّصر التّكتيكيّ بهزيمة استراتيجيَّة”؛ إذا لم تُوفِّر الحماية الكافية للمَدنيِّين في غزَّة، وهو ما أظهَر الاعتراض الأمريكيّ على طريقة الإدارة الإسرائيليَّة لمُجريات الحرب.
ثاني الضُّغُوط، كان في الخلاف حَوْل الشَّكل الذي ستبدو عليه غزَّة بعد الحَرْب؛ ففي الوقت الذي أعلن فيه مَسْؤُولون بالسُّلْطة الوطنيَّة الفلسطينيَّة عن قُدْرتهم على إدارة غزَّة، وهو ما تراه الولايات المتَّحدة الحلّ الأمثل للقِطَاع؛ رفَض بنيامين نتنياهو هذا الاقتراح، مُؤكِّدًا أنَّه لن يسمح بتكرار تجربة اتفاقيَّات أوسلو!
ثَالِث مَشاهِد الضَّغْط الدّوليّ، بدأت بعد قرار الأمين العامّ للأُمَم المتَّحدة أنطونيو جوميترش بتفعيل المادة 99 من الميثاق الأساسيّ للمُنظَّمة، ودعوته لمجلس الأمن لمُناقَشة الوَضْع الإنسانيّ في غزَّة، ورَغْم مُوافَقَة الأغلبيَّة الكَاسِحَة بالمجلس على وَقْف إطلاق النَّار بشكلٍ فُوْريّ؛ إلَّا أنَّ الفيتو الأمريكيّ عَطَّلَ القرار.
رَابِع مَلامِح الضَّغْط، جاءت باعتماد الجمعيَّة العامَّة للأُمَم المتَّحدة، بأغلبيَّة ساحقة (153 دولة) قرارًا بوَقْف فَوْريّ لإطلاق النَّار، مُقابل 8 دُوَل فقط رفضت القرار، بينهم الولايات المتَّحدة وإسرائيل، في حين كانت المملكة المتَّحدة وألمانيا من بين الدُّوَل الـ23 التي امتنعت عن التَّصويت.
خَامِس المَلامِح؛ ظهرت في تَصْريحات الرَّئيس الأمريكيّ جو بايدن بأنَّ إسرائيل تَفْقِد الدَّعْم في جميع أنحاء العَالَم؛ بسبب “قَصْفها العشوائيّ” لغزَّة، والذي تسبَّب في “كارثة صحيَّة عامَّة”؛ بسبب انهيار نظامها الطِّبّيّ وانتشار الأمراض المُعْدِيَة في الملاجئ المُكتَظَّة.
مُقابِل تلك الضُّغُوط تُعانِد إسرائيل على استمرار الحرب، حتى بدُون الدَّعْم الدّوليّ، مُستَنِدَةً على الدَّعْم الأمريكيّ، الذي بدأ هو الآخر بقليل من التردد، بعد تَزايُد الضَّغْط الدَّاخليّ والخارجيّ عليه، والأزمات المتتالية التي باتت تُلاحِق سَاكِن البيت الأبيض في أوكرانيا، وفنزويلا، وبحر الصين الجنوبيّ.
تَبْدو زيارة مستشار الأمن القوميّ للبيت الأبيض جيك سوليفان، إلى إسرائيل، المُقرَّر لها اليوم الخميس، لإجراء مُحادَثات مع بنيامين نتنياهو، المشهد الأخير في تلك الضُّغُوط؛ حيث مِن المُقرَّر أنْ تُناقِش جَدْوَلًا زَمنيًّا لإنهاء الحرب..
فهل يَسْتسلم نتنياهو، أمْ يُواصِل عناده حتى يصل لنهايته المحتومة؟