في زمن التكنولوجيا، قد تُصنَع الثروات من تحدّي الطبيعة.
في قلب ألاسكا، يَرْسم ترامب اليوم خريطة قوة جديدة. طريق بطول 340 كيلو مترًا، اسمه “أمبلر” Ambler، أصبح نموذجًا لمعركة تتجاوز التعدين.
قصة “طريق أمبلر” بدأت من فشل أمريكا في حماية استقلالها الصناعي؛ فخلال عقود طويلة ظلَّت تعتمد على الصين لتُؤمِّن لها المعادن النادرة. القرار كان اقتصاديًّا بحتًا؛ لماذا تُغامِر أمريكا بتكاليف التعدين إذا كانت الصين تُوفّرها بأرخص الأسعار؟
ولكنّ هذا المنطق انقلب إلى كابوس، بعدما أصبحت الصين تَستخدم المعادن النادرة سلاحًا سياسيًّا.
وعليه، فالمشروع الذي رفضه بايدن بحجة حماية البيئة؛ عاد اليوم للحياة. بدأ التفكير الأمريكي يتغير نحو الواقعية الاقتصادية؛ لم تَعُد واشنطن تبحث عن السوق الأرخص، بل عن البدائل الآمنة التي تضمن استقلالها الصناعي، وتمنحها سيادة القرار.
لكن، لماذا الآن تحديدًا؟
الجواب لأن الصين سيطرت على 80% من إنتاج المعادن النادرة، وهذا يُمكِّنها من السيطرة على الصناعات المستقبلية؛ السيارات الكهربائية، ألواح الطاقة الشمسية، توربينات الرياح، والإلكترونيات الدقيقة، كلّ هذا يعتمد على معادن نادرة مصدرها الصين.
خلال الحرب التجارية مع ترامب، فرضت الصين قيودًا على التصدير، وهذا هدَّد سلاسل التوريد الأمريكية بالكامل، وهنا قررت واشنطن التحرُّك، عبر إحياء طريق “أمبلر”، وهو جزء من إستراتيجية أوسع لبناء سلاسل توريد مستقلة؛ ليس فقط في المعادن، بل في أشباه الموصلات والطاقة والتكنولوجيا.
مقابل هذا الربح، هناك تكلفة لا يُستهان بها؛ فالطريق يَمُرّ عبر أراضي برية من أنقى المناطق في ألاسكا، وهي موطن لقُطعان الرنة والحياة البرية النادرة. ولذا تُحذِّر جماعات بيئية من كارثة بيئية وشيكة.
المفارقة أن السعي لطاقة نظيفة يحتاج إلى تعدين مُكثّف، وغالبًا ما يُدمِّر البيئة. فأمام أمريكا خيار صعب: تعدين محلي مُكلّف بمعايير صارمة، أو الاستمرار بالاعتماد على الصين.
في النهاية؛ قرار واشنطن بإحياء الطريق يعكس تحوُّلًا عميقًا في فَهْم القوة؛ فالقوة اليوم ليست عسكرية، بل تتمثل في القدرة على التحكُّم بسلاسل التوريد الحيوية؛ فمن يملك المعادن اليوم، يملك مفاتيح الغد.