الأمر التنفيذي الذي أصدره ترامب، ويسمح باستئناف التجارب النووية؛ يُعيد عقارب الساعة 33 سنة إلى الوراء! فخلال كلّ هذه السنوات كان العالم متوقفًا عن إجراء التجارب النووية، باتفاق جماعي يُشْبه المعجزة السياسية. لكنّ بأمر تنفيذي واحد تُعلَن نهاية هذه الهدنة.
بدأت القصة بعد نهاية الحرب الباردة؛ حيث نفَّذت أمريكا والاتحاد السوفييتي أكثر من 2000 تجربة نووية في الفترة ما بين 1945 و1992، عن طريق التفجير في الصحاري والمحيطات وتحت الأرض.
هذه التجارب النووية سبَّبت كوارث بيئية وصحية، تظهر آثارها حتى اليوم؛ فالشعوب في أماكن هذه التجارب تعاني من تشوُّهات وأمراض مزمنة، منها: ارتفاع نِسَب السرطان واللوكيميا. بالإضافة إلى أن التجربة النووية الواحدة تُكلِّف ملايين الدولارات، بدايةً من التحضير إلى التفجير وحتى متابعة الأضرار الناجمة عنها.
في عام 1996، وقَّعت أغلب الدول على معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية، لكنّ المعاهدة لم تدخل حيّز التنفيذ؛ لأنّ بعض الدول الكبرى، مثل أمريكا، لم تُصادق عليها. ومع ذلك، التزمت واشنطن بوقف التجارب، واعتمدت على المحاكاة الحاسوبية لتطوير سلاحها النووي دون تفجيرات فِعْلية.
لكن، اليوم، يقلب ترامب الطاولة؛ فالأمر التنفيذي الذي أصدره يسمح باستئناف التجارب النووية “إذا لزم الأمر”. والسبب الظاهر أن روسيا والصين بدأوا تطوير جيل جديد من الأسلحة النووية، وأمريكا تريد أن تتأكَّد أن ترسانتها لا تزال فعَّالة.
جدير بالذكر أن واشنطن تمتلك أكثر من 5000 رأس نووي، يبلغ حجم الإنفاق السنوي على تطويرها قرابة 60 مليار دولار. والمحاكاة التي تَستخدمها وزارة الطاقة الأمريكية تُعدّ هي الأدق في العالم؛ حيث يمكنها اختبار هذه الأسلحة دون تفجير حقيقي.
إصرار ترامب على إجراء التجارب النووية كان واضحًا من خلال تصريحه بأن أمريكا “لن تكون الدولة الأولى التي تستأنف التجارب، لكنّها جاهزة للردّ بقوة إذا استأنف غيرها من الدول تلك التجارب”.
عقب هذا التصريح بوقت قصير، جاءت ردود الأفعال الدولية رافضة ومُحذِّرة من هذه الخطوة؛ حيث أعلنت روسيا أنها جاهزة للردّ بالمثل، بينما طلبت الصين عقد اجتماع طارئ بمجلس الأمن لمناقشة الأمر. أما أوروبا فترى أن هذه الخطوة تفتح الباب لانتشار نووي خطير.
وهكذا تشتد خطورة الأمر؛ فكلّ خطوة لها ردّ فعل؛ أمريكا، بعدها روسيا، ثم الصين. والنتيجة انطلاق سباق تسلُّح جديد، والرجوع لزمن الحرب الباردة.
في النهاية، إن الكرة اليوم بملعب دول العالم الكبرى: إمَّا الحوار، وإما المزيد من التوتر والأزمات.