منذ القدم تعد طرق الحج بيئة استثمارية رئيسة. فعلى هذه الطرق تكثر المحالّ التي تقدم مختلف أشكال الخدمات للحجاج. فمنذ الجاهلية كان رفادة مكة مكانة دينية واجتماعية ومكسباً اقتصادياً. ولاحقاً وفي ظل الإسلام تعززت المكانة الاقتصادية لطرق الحج. بحيث باتت بيئة استثمارية مهمة لا تقل أهمية عن بيئات الاستثمار الحالية. فما أبرز الاستثمارات بطرق الحج القديمة؟
من الصعب تحديد نقطة زمنية محددة لظهور الاهتمام باستثمار طرق الحج تجارياً. ولكن أينما وُجد الحج ووُجدت التجمعات البشرية وُجدت الأنشطة التجارية. فبالإضافة للدور الديني للحج لا يمكن إغفال دوره الاقتصادي.
محاولة أبرهة الحبشي هدم الكعبة وبناء كعبة جديدة في الحبشة لا يمكن عزلها عن البعد الاقتصادي للحج. فقريش وخلال قرون عديدة اعتمدت على إيرادات الحج في مصادر دخلها. ولا يشمل هذا الأمر الكعبة فقط. بل يمتد لطرق الحج التي شملت مختلف الأمصار من الشام إلى العراق فمصر وشمال إفريقيا حيث ازدهرت طرق الحج تجارياً.
من أبرز طرق الحج في الإسلام التي تم الاستثمار بها (درب زبيدة). وهو الطريق الذي يربط مكة بمدينتي الكوفة وبغداد العراقيتين خلال العصر العباسي. نسبةً إلى زبيدة زوجة الخليفة العباسي هارون الرشيد التي دعمت تأسيس هذا الطريق وتطويره من خلال أعمالها الخيرية في المحطات العديدة على طول الطريق.
حيث تم تثبيت علامات ومعالم على طول الطريق الذي تم تزويده بالآبار التي تضخ المياه العذبة والسدود وبناء الاستراحات والمنازل. كما تم تعبيد طريق درب زبيدة جزئياً لتسهيل مرور الحجاج. وتم إعداد 27 محطة رئيسية و27 محطة فرعية.
تعود جذور “درب زبيدة” إلى بدايات العهد العباسي وتحديداً إلى عام 751م. حيث بدأ الخليفة العباسي الأول أبو العباس في تنظيم تحسينات على طريق العراق – مكة المكرمة. حيث أمر بوضع معالم وإشارات جديدة. بالإضافة إلى بناء استراحات / حصون للحجاج.
تضمنت الاستثمارات زيادة الموارد المائية والغذائية على طول المسارات الصحراوية في شبه الجزيرة العربية وحتى في مكة المكرمة نفسها. مع تجهيز مناهل وآبار على مسافات تناسب القوافل الراجلة والراكبة. وتحولت الواحات على طريق الحج إلى محطات اقتصادية وتجارية اعتمد سكانها على تقديم الخدمات والسلع للحجاج.
تزامنت البنية التحتية التي استثمرت فيها الدولة العثمانية في تطوير طرق الحجيج مع استثمار مصاحب في الكتب التي تشرح مناسك الحج. وترجمتها من اللغة العربية إلى اللغة التركية. والتي كان يتم بيعها بمئات القطع الفضية والذهبية لأداء فريضة الحج بشكل صحيح.
تعززت الاستثمارات على طريق الحج في العهد العثماني. ومن خصوصية رحلة الحجاج العثماني أنها كانت تمر بالعديد من الأماكن المقدسة قبل أن تصل في النهاية إلى مكة المكرمة. وهو ما كان يجعلها تمر على خانات أكثر. وهو ما أدى لزيادة الاستثمارات والإنفاق في تلك الرحلة التي توسعت لتصبح رحلة طويلة في أرض مقدسة بين دمشق والقاهرة ومكة والمدينة.
الطرق القديمة للحج والخانات الموجودة بها يمكن إعادة إحيائها مع تطويرها بحيث تكون طرقاً حديثة يرتادها الحجاج. حيث تكون تكلفتها أرخص بكثير من الانتقال بالطائرات إلى مكة المكرمة. ومع سرعة وسائل النقل حالياً لن تستغرق الرحلة أياماً طويلة كما كان في الماضي.
يمكن العمل في هذا المشروع على أكثر من محور. الأول تحسين مستوى جودة الطرق. والثاني: الاعتماد على الآثار الموجودة واعتبارها رحلة سياحية جانبية. الثالث: إعادة بناء وتطوير الخانات بالكثير من المطاعم والخانات والاستراحات التي يحتاجها الحاج طوال طريقه.
على الرغم من طول مدة الرحلة إلا أن التكلفة البسيطة والمتعة الكبيرة التي يحصل عليها الحاج. قد تدفع لاستخدام تلك الطرق وما بها من خانات وهو ما يعد دفعاً كبيراً لعجلة الاستثمار خارج الأفكار التقليدية. من خلال فتح مجالات جديدة للتجارة والتبادلات التجارية والثقافية بين الدول.