تشهد كازاخستان تظاهرات حادة سببها المباشر رفع أسعار الغاز. وتسببت الاحتجاجات باستقالة الحكومة. وعلى ما يبدو فإن الاحتجاجات في طريقها للتصاعد. والسؤال الأهم هنا هل هذه الاحتجاجات شأن داخلي فقط أم لها إسقاطات إقليمية ودولية؟
في الحقيقة تحتل كازاخستان موقعاً جيوسياسياً مهماً، فهي تقع بالقرب من روسيا وإيران والصين. كما أنها تُعدّ غنيَّة بالثروات الطبيعية؛ لا سيما الغاز والنفط واليورانيوم. وهي في المرتبة الرابعة عشرة دولياً من حيث احتياطات الطاقة.
في الواقع تعد كازاخستان دولة فقيرة بالبنية التحتية اللازمة لتصدير الطاقة، وهو ما انعكس على اقتصادها، ولهذا ترى في تركيا شريكاً استراتيجياً يمكن من خلالها تصدير غازها إلى أوروبا، وفي ذات الوقت يدعم آمال تركيا في التحول لعقدة إقليمية لتوريد الطاقة.
يسود إقليم الشرق الأوسط مناخ عامّ يتجه نحو التهدئة والمصالحة. وهذا الأمر يعززه الوضع الاقتصادي العالمي الضاغط على اقتصادات المنطقة، والتي تحتاج لتهدئة سياسية تنعكس اقتصادياً. فالمصالحة الخليجية-الخليجية، والتركية الخليجية، والمفاوضات النووية مع إيران؛ توحي بتفاهمات إقليمية ودولية لتهدئة الوضع السياسي.
بصفة عامة لا يمكن فصل الشرق الأوسط استراتيجياً عن آسيا الوسطى، فهما متداخلتان استراتيجياً. فالتوتر في إحداهما سينعكس على المنطقة الأخرى. وهذا ما يقود إلى القول بأن الاحتجاجات الكزخية تعد خروجاً على المناخ السياسي العام. وهو ما يطرح شكوكاً حول توقيتها، وهل تم دعمها من أطراف خارجية لتحقيق أهداف محددة.
من جهة أخرى لم تَرْقَ ردة الفعل الروسية تجاه ما يحصل لمستوى أهمية كازخستان بالنسبة لروسيا. فهي على حدودها الجنوبية، وتُشكل عمقاً استراتيجياً لها. وهو ما قد يكون رغبة روسية في الإطاحة بالحكم في كازخستان. ومن دوافع هذا الأمر قد يكون تعطيل تقارب تركيا مع كازاخستان. لا سيما أن الأخيرة تخطط لتصدير الغاز إلى أوروبا عبر تركيا. وهو ما يشكل تهديداً لسوق روسيا الغازي.
تبدو تركيا مهتمة بما يجري في كازاخستان. ولا ترغب في التصعيد وتدعم أي جهود للتهدئة وعودة الاستقرار. لا سيما أنها ترى في كازاخستان حليفاً استراتيجياً مستقبلياً. كما أن تركيا تميل لتهدئة الوضع السياسي في المنطقة بشكل عام بما ينعكس على تبادلاتها التجارية، وبالتالي دعم اقتصادها الذي يعاني من تراجع.
في الحقيقة قد لا ترتبط كازاخستان بشكل مباشر بالقضية السورية إلا من خلال المفاوضات التي تتم بين أطراف الأزمة السورية على أراضيها. وهذا الأمر قد لا يُشكِّل تهديداً حقيقياً للمسار السياسي؛ كون المفاوضات يمكن نقلها لمكان آخر.
بصفة عامة فإن أيّ توتر إقليمي أو دولي سينعكس سلباً على المسار السياسي للأزمة السورية؛ لأن ذلك يقود لخلط الأوراق السياسية من جديد، كما يعرقل إمكانية التوافق الدولي، والذي يُعتبر شرطاً لازماً لأيّ نجاح سياسيّ.