تُعدّ الصين المُنْتِج الأكبر في العالَم، خاصَّةً في ظلّ سياساتها الدَّاعمة للإنتاج والإنتاج التكنولوجي منخفض التكلفة، ولكنها تُواجِه مشكلةً حادَّة تتمثَّل في إيجاد أسواق لتصريف إنتاجها الضَّخْم، وهذا ما أدَّى لإنتاج فائض قد يكون بدايةً لأزمة اقتصاديَّة صينيَّة وربما عالميَّة.
أسباب القدرة الإنتاجيَّة الفائضة الصينيَّة
تُعدّ الحرب التجاريَّة بين الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة والصين أحد أسباب القُدرة الفائضة، فكلٌّ منهما اتَّخذ إجراءات قانونيَّة ضدّ الآخر تحت مُسمَّى التَّعريفات الجمركيَّة بحُجَّة حماية مصالح بلاده، لكنَّ هذه الرُّسُوم الجمركيَّة أثَّرت بشكلٍ سلبيّ على اقتصاد كلا البلدين؛ فلم تُحقِّق الصين نموّها الاقتصاديّ المطلوب بعد جائحة كوفيد، ولم تتخلَّص الولايات المتَّحدة من آثار التَّضخُّم.
لكن ما أفضَى إليه هذا التَّوتُّر مُؤخَّرًا هي مسألة القدرة الفائضة، والتي باتت سائدةً في القطاعات التكنولوجيَّة المتقدّمة مثل السيارات الكهربائيَّة، والسبب هو ارتفاع العَرْض بشكلٍ يَفُوق الطَّلب، ما يُؤدِّي لتراكم الإنتاج وانخفاض في الأسعار، ما قد يُلْحِق الخسارة بالشَّركات المُنْتِجَة.
آثار القدرة الإنتاجيَّة الفائضة
الإنتاج الضَّخم للصين والذي يفوق الطَّلب قد يُؤدِّي لإغراق الأسواق، ومِن ثَم تنحرف آليَّات التَّسعير العالميَّة، بل ويُهدِّد أيضاً استدامة الصناعات على مستوى العالَم من خلال التَّعجيل بانحدار الأسعار، خاصَّةً في القطاعات التكنولوجيَّة الأكثر أهميَّة والمُهيمنة بالمستقبل، مثل أشباه الموصلات والطَّاقة النَّظيفة والاتّصالات.
حجَّة الصين في هذه القُدرة الفائضة أنَّها تأتي ضمن إستراتيجيتها بالانتقال إلى التَّصنيع الذي يعتمد على الإبداع بشكلٍ أكبر، ويستلزم ذلك مراحل من القدرة الفائضة أثناء صعودها إلى سلسلة القيمة الإبداعيَّة المُضافَة.
هذه القدرة الإنتاجيَّة الفائضة من المتوقَّع أن تَجُرّ الصين إلى صدمةٍ اقتصاديَّةٍ هائلةٍ؛ بسبب إغراق الأسواق بمُنْتَجات منخفضة التّكلفة وعالية التّقنية، وهو ما أجْبَر الحكومة على تقليص إعانات الدَّعْم في الأسواق المُشبَّعة، وفرض معايير بيئيَّة وإنتاجيَّة صارمة، وتعزيز النُّموّ القائم على الاستهلاك.
في الحقيقة تتحمَّل الاقتصادات الكبرى في العالَم مسؤوليَّة هذا الواقع، فهو نتيجة للصِّراع التجاريّ الأمريكيّ الصينيّ، وعدم قدرة كلا البلدين خاصَّة الصين على دخول أسواق الأخرى. وهذا التَّهديد الاقتصاديّ لن يقف عند حدود البلدين، بل ستمتد آثاره إلى سائر دُوَل العالم، ولن تكون الدُّوَل النَّامية والفقيرة بمنأى عن تأثيراتها.