مشاركة

ما تَفعله الهند اليوم لا يشبه أيّ خطوة مالية عادية، بل يعكس تغيُّرًا في طريقة التفكير بالثقة والاعتماد. فبعد أنْ شاهَد العالَم كيف جُمِّدت احتياطيات روسيا من الذهب في الغرب؛ قرَّرت نيودلهي أن الثروة الحقيقية لا تُحْفَظ في خزائن الآخرين، بل تحت سيادتها هي.

خلال أربع سنوات، أعادت نيودلهي نحو280  طنًّا من الذهب إلى الداخل، لتُصْبح أكثر من 65% من احتياطيات البلاد محفوظة داخل الهند، بعد أن كانت النسبة لا تتجاوز النصف قبل سنوات قليلة. ظاهريًّا، تبدو خطوة روتينية. لكنْ في الواقع هي رسالة استقلال مالي تقول: إن الهند تريد التحكُّم بثروتها بعيدًا عن أيّ ضغوط خارجية أو رهانات سياسية مفروضة.

الذهب الذي كان يُنظَر إليه كأصلٍ احتياطي، أصبح اليوم رمزًا للقوة والسيطرة وأساسًا للأمن الاقتصادي. الهند، التي تملك رابع أكبر احتياطي نقدي في العالم (يتجاوز 702 مليار دولار)، تُدرك أن الأمان الاقتصادي لا يعني فقط وفرة المال، بل القدرة على حمايته متى اشتدت الأزمات وتبدَّلت موازين القوى.

لا تكتفي نيودلهي بإعادة توزيع الأصول، بل تُعيد رسم حدود الثقة الاقتصادية. من الاعتماد على الدولار وسندات الخزانة الأمريكية، إلى بناء غطاء ذهبي يمكن الاستناد إليه عند الحاجة. إنها طريقة جديدة في التفكير: السيادة الاقتصادية لا تقوم على الوعود، بل على ما يمكن لمسه والاحتفاظ به في مواجهة الأزمات المفاجئة.

ربما لا يكون قرار الهند سوى بداية لمسار أوسع يشمل دولًا أخرى تسعى لحماية استقلالها المالي وسط عالمٍ تتغير فيه موازين القوة بسرعة. الذهب يعود مجددًا ليلعب دورًا سياسيًّا بامتياز، لا مجرد سلعة تُخزَّن، بل أداة تُعبِّر عمَّن يملك القرار وقت الأزمات.

ما بين الاحتياط والسيادة، تضع نيودلهي ملامح نموذج جديد للثقة الاقتصادية، عنوانه أن السيطرة على الذهب هي امتلاك لمفتاح القرار في زمن التقلُّبات.

مشاركة