يتقدَّم اليوان الصيني في المنطقة العربية بخطوات محسوبة ومدروسة، لا كبديل فوري للدولار، بل كخيار إضافي يُوسّع الأمان المالي. حين تُصْدِر مصر سندات «باندا»، وتبدأ دبي في إدراج أدوات دَيْن باليوان، وتُجرّب السعودية المدفوعات الرقمية مع بكين؛ تُصْبح هذه التحرُّكات أكثر من مجرد معاملات مالية؛ بل هي إشارات واضحة أن المنطقة تسعى إلى تنويع أدواتها النقدية بعيدًا عن هيمنة الدولار.
التوترات العالمية وتقلُّبات أسعار الفائدة الأمريكية، واستخدام الدولار أداة ضَغْط في النزاعات الدولية؛ كلها عوامل تجعل تنويع أدوات الدفع والتمويل ضرورة حقيقية، وليس ترفًا. اليوان هنا ليس مجرد عُملة دولية، بل جزء من شبكة نفوذ صينية تتوسَّع عبر التجارة والاستثمارات ومشاريع البنية التحتية، ما يمنحه قيمة إستراتيجية أكبر من كونه وسيلة تسوية مالية.
لا يعني هذا الانفتاح انقلابًا على النظام المالي العالمي القائم. الارتباط التاريخي والاقتصادي بالدولار ما يزال قائمًا، ولا يمكن كَسْره. كما أنّ اليوان يُواجه قيودًا تتعلق بالسيولة العالمية وحرية حركة رأس المال، ما يجعله مناسبًا أكثر للمعاملات الثنائية مع الصين، وليس بعدُ بديلًا واسع الانتشار لعملة الاحتياط العالمي.
الإستراتيجية المالية لدول المنطقة تقوم على مبدأ «إضافة اليوان»، لا «استبدال الدولار». هذا النَّهج يُعزّز القدرة على حماية الاحتياطيات، وتمويل المشاريع الكبرى، وتخفيف المخاطر المرتبطة بصدمات النظام المالي الدولي. في الوقت ذاته، يسمح لهذه الدول بالاستفادة من التمويل الآسيوي الأقل كلفة، دون المساس بعلاقاتهم مع المؤسسات المالية الغربية.
التحدّي الأكبر يكمن في كيفية تحويل هذه الخطوات إلى مسار مستدام: عمليات تسوية باليوان، استخدام طرق لحماية الأموال، وتنويع الاحتياطيات، مع الحفاظ على الحياد لتجنُّب الصراعات الكبرى.
باختصار، ما تقوم به دول المنطقة هو إعادة رسم موقعها في النظام المالي العالمي، ليس بمواجهة، بل عبر بناء توازن يحمي مصالحها رغم تَغيُّر موازين القوى بين واشنطن وبكين.