في عام 1929، كانت ثقة الناس بالأسواق كبيرة جدًّا، ولم يكن أحد يتوقع حدوث أيّ انهيار اقتصادي. لكنّ الذي حدث كان عكس توقُّعات الجميع، فخلال أسابيع قليلة تبخَّرت المدخرات وانهار الاقتصاد العالمي.
اليوم، نفس الثقة تتكرَّر؛ فالبعض يعتقد أن الذكاء الاصطناعي سيخلق ثروات بلا حدود، وأن الاستثمار فيه مضمون. ولذا بدأت بعض الشركات تصرف المليارات على مراكز البيانات والرقائق والتقنيات الجديدة، والمستثمرون يشترون الأسهم بأسعار خيالية.
لكنْ للتاريخ رأي آخر.
ففي كل مرة حصل هَوَس جماعي حول تكنولوجيا جديدة، النتيجة كانت واحدة: فُقّاعة تكبر حتى تنفجر، وعندما تنفجر تكون الخسائر كارثية. هذا الشيء حدَث من قبل مع سكك الحديد بالقرن التاسع عشر، ومع الراديو بالعشرينيات، ومع الإنترنت بالتسعينيات، واليوم يتكرر المشهد مع الذكاء الاصطناعي. الفرق الوحيد أن الأرقام اليوم أضخم بكثير.
مجلة الإيكونوميست نشرت تحليلًا يربط بين ما يحدث اليوم وبين أزمة 1929. التشابه ليس شكليًّا فقط، بل جوهري: سيولة مالية ضخمة، ثقة مفرطة بالأسواق، مضاربات بلا ضوابط.
ما دفَع جيمي ديمون Jamie Dimon، -المدير التنفيذي لبنك جي بي مورجان تشيس JPMorgan Chase، وهو أحد أكبر بنوك أمريكا-، إلى أن يقول بصراحة: “أخشى مِن حدوث تصحيح كبير بالأسواق”. ديمون ليس شخصًا متشائمًا، بل هو رجل عاصَر أزمات كثيرة، وعندما يصرح بهذا الكلام؛ فإن الخطر حقيقي.
لكن، ما الذي يجعل الوضع اليوم خطرًا إلى هذه الدرجة؟
أولاً، حجم الأموال المستثمرة ضخم جدًّا، فهناك حديث عن حوالي 3 تريليونات دولار، وهو رقم يفوق اقتصادات دول كاملة.
ثانيًا، الأرباح الحقيقية لم تظهر بعد، والشركات تبني على وعود مستقبلية يمكن أن تتحقّق، ويمكن لا.
ثالثًا، التفاؤل المفرط، والتفاؤل الزائد دائمًا ينتهي بخيبة أمل كبيرة. كلّ هذه الإشارات تقول: إن الفقاعة قريبة من نقطة الانفجار.
وهنا سؤال: ما الذي سوف يحدث إذا انفجرت الفقاعة؟
أول المتضرّرين سيكون الموظفين؛ لأنّ الشركات ستضطر إلى تخفيف نفقاتها، وهذا يعني تسريح عدد كبير من الموظفين. بالإضافة إلى انهيار قيمة الأسهم، والتي ستؤثر على صناديق التقاعد ومدخرات الناس، وغير ذلك. والنتيجة، أن الاقتصاد العالمي سيدخل في فوضى مالية يمكن تتحول إلى أزمة كبيرة.
في النهاية، المشكلة ليست في الذكاء الاصطناعي نفسه، التكنولوجيا حقيقية وستُغيِّر شكل العالم. المشكلة في طريقة التعامل: استثمار بلا ضوابط، تفاؤل بلا حدود، وتوقعات أكبر من الواقع. وهنا نتساءل، إذا انفجرت هذه الفقاعة، فمن سيتحمل الثمن؟