في عام 1811، اندلعت احتجاجات عارمة قادها عمال النسيج الذين عُرفوا باسم “اللودايت” بمدينة نوتنغهام البريطانية. كان السبب الرئيسي وراء هذه الاحتجاجات التحولات الجذرية التي أحدثتها الثورة الصناعية الأولى، والتي تمثلت في إحلال الآلات محل العمالة البشرية.
اليوم، يُعاد تشكيل مشهد سوق العمل عالمياً نتيجة التطور الهائل الذي أحدثته ثورة الذكاء الاصطناعي. في الماضي، لم تكن مشكلة العمال الثورة الحديثة لكن آلية التعامل مع مستقبلهم. واليوم يُعاد سيناريو الأمس بواقع يهدد ملايين الوظائف حول العالم.
إذا كان مشكلة الماضي هي الآلات، فإننا أمام مشكلة أكبر تتجاوز الآلات الصماء. إننا أمام آلات تُفكِّر، تكتب، تُحلِّل، وتبدع. تتنافس مع الإنسان في الكثير من مواهبه التي أودعها الله فيه.
ورغم اتجاه الشركات التي تستثمر في الذكاء الاصطناعي إلى تقليص الأدوار التي لا تتطلب مؤهلات جامعية، مما يعمق الفجوة بين الطبقات المهنية. إلا أن البيانات تظهر قدرة التقنيات الحديثة على رفع إنتاجية العامل الأقل خبرة. مما يجعل العالم أمام تحدي واضح يتمثل في كيفية توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي في خدمة البشرية لا تهديدها!
وفق البيانات فإن الذكاء الاصطناعي قد يؤثر على 300 مليون وظيفة بدوام كامل حول العالم. وفي المقابل فإن المؤشرات تؤكد قدرته على توفير 69 مليون وظيفة جديدة بحلول عام 2028. إذاً هي معادلة تتراوح بين المكسب والخسارة، العنصر الرئيس فيها هو العامل البشري.
بدلاً من تحول الذكاء الاصطناعي إلى عدو للإنسان، هناك اتجاه آخر قد يكون أكثر نفعاً لا سيما مع إعادة تشكيل بيئة العمل. هذا الاتجاه يتخطى المهارات التقليدية، ويفرض على الإنسان تعلم مهارات جديدة لمواكبة التغيير خاصة خلال السنوات الخمس القادمة، ووجود بيانات تكشف عن حاجة 44% من العمال إلى ضرورة تعلم مهارات جديدة.
هذا التطور الهائل والمستمر، يفرض على الحكومات والمؤسسات بل والإنسان مواكبته وإيجاد آلية واضحة للاستفادة منه قبل أن يتحول إلى تهديد حقيقي للوظائف الحالية. للقيام بذلك، علينا تعزيز ثقافة التعلم لاستيعاب التقنيات الناشئة وإيجاد أدوار وظيفية تتناسب معها.
في مواجهة هذا التحدي، السؤال ليس هل سيُغير الذكاء الاصطناعي مستقبل العمل، بل كيف سنُغير نحن أنفسنا لنُصبح جزءاً من هذا المستقبل؟