شَارِك المَقَال

يعاني القطاعُ العامُّ السوريُّ وكما نعلمُ جميعًا مِنْ ضعفٍ كبيرٍ في الأداءِ، فأكثرُ مِنْ 70% مِنَ المؤسساتِ العامةِ تشهد خسائر متراكمة، وبالتالي أصبحَتْ عبئًا على الدولةِ، إضافةً للفسادِ الماليِّ والإداريِّ.

نتيجةَ هذا الواقعِ هناك توجُّهٌ لدَى الحكومةِ للخصخصةِ، على اعتبارِ أنَّ الخصخصةَ رح تَحِلّ جزءًا كبيرًا من مشاكلِ القطاعِ العامِّ. وهذا الأمرُ ليس في سوريا وحدهَا، دُوَلٌ عديدةٌ اتجهتْ نحوَ الخصخصةِ، حتى الدولُ الشيوعيةُ التي تعتمدُ على امتلاكِ الدولةِ لكُلِّ المؤسساتِ، ومنها الصينُ اللي بيحكمُهَا الحزبٌ الشيوعيٌّ، ورغمْ هذا الشي اتجهتْ للخصخصةِ، وحقَّقَتْ زيادةً في الدخلِ بقيمةِ 320 مليارَ دولارٍ.

البعضُ يعتقدُ أَنَّ الخصخصةَ تعني بيعَ مؤسساتِ الدولةِ، وهذا غيرُ دقيقٍ، هيَ نوعٌ منَ الاستثمارِ، يتولَّى القطاعُ الخاصُّ إدارةَ المؤسساتِ مقابلَ عائدٍ سنويٍّ للحكومةِ، وبالتالي نستفيدُ مِنْ كفاءةِ القطاعِ الخاصِّ وتُحقّقُ الحكومةُ دخلًا أعلى منَ الدخلِ اللي كانت تُحقِّقُهُ مِنْ هذهِ المؤسساتِ.

سوريا اليومَ عم تُواجِهُ أزمةً اقتصاديةً حادةً، وممكن الخصخصة تَحِلُّ جزءًا من هذه الأزماتِ؛ الأُولَى تكلفةُ إعادةِ الإعمارِ، وبعضُ القطاعاتِ تحتاجُ عشراتِ الملياراتِ. ومنَ الصعبِ توفيرُ هذه المبالِغِ، وهنا الخصخصةُ ممكن تكونُ حلًّا؛ لأنهُ في عقودِ الاستثمارِ رح تكونُ الشركاتُ الخاصةُ مسؤولةً عن ترميمِ وتشغيلِ المؤسساتِ. تأهيلُ قطاعِ النفطِ -على سبيلِ المثالِ- يحتاجُ 26 مليار دولار، قطاعُ النقلِ يحتاجُ 4.5 مليار دولار، وهذه المبالغُ ضخمةٌ، وفي حالِ تمَّ طَرْحُ هذه المؤسساتِ للاستثمارِ، القطاعُ الخاصُّ رح يكونُ مسؤولًا عنْ كلِّ التكاليفِ، وبالتالي تكون الدولة وفت جزء كبير من هذه التكاليف ناهيك عن الايراد اللي ممكن يتحقق نتيجةً لهذا الاستثمار.

القضيةُ الثانيةُ هي أنَّ القطاعَ العامَّ منهارٌ تماماً، وإصلاحُهُ صعبٌ جداً، وتنطبقُ عليه قاعدةُ الحصانِ الميتِ، هذهِ القاعدةُ تقول: “أفضلُ شيءٍ تساويه في حالِ كنتَ على حصان ميت هوَ انك تنزلَ عَنْهُ”. المؤسسات العامة في سوريا تشبهُ الحصانَ الميتَ؛ محاولاتُ الإصلاح تعني هدرِ الوقتِ والمالِ. والحل هو تغييرِ أسلوبِ الإدارةِ، والقطاعُ الخاصُّ يمكنُ يساهم بشكلٍ كبيرٍ بهذا الأمرِ.

الخصخصةُ ليستْ إيجابياتٍ فقط، توجدُ سلبياتٌ، أهمُّ سلبيةٍ هي مصيرُ العاملينَ في القطاعِ العامِّ، وهذه مشكلةٌ خطيرةٌ، عددُ مُوظِّفي الدولةِ 1,2 مليون، وهذا رقمٌ ضخمٌ بالنسبةِ لدولةٍ مثلَ سوريا، وهذا الشي سبَّبَ تكلفةً كبيرةً للمؤسساتِ وتراجُعًا بالأداءِ. يعني العملُ اللي بيحتاجُ موظفًا واحدًا تمَّ توظيفُ 10 موظفينَ لهُ، وزارةُ النفطِ -على سبيلِ المثالِ- فيهَا 30 ألف موظفٍ، مع انو الحاجةَ الفعليةَ 10 آلاف فقط.

المشكلةُ هنا أنَّ القطاعَ الخاصَّ لا يقبلُ بهذه الأعدادِ، وفي حالِ تمَّتِ الخصخصةُ مئاتُ آلافِ الموظفينَ رح يكونوا بلا عملٍ، الحكومةُ ما فيها تُسرِّحهم. لأنَّ تسريحَهُمْ يعني أزمةً اجتماعيةً كبيرةً جداً، مئاتُ آلافِ الأُسَرِ رح تكونُ بلا دخلٍ. والحلُّ هنا ممكن يكون التشجيعُ على التقاعدِ المُبكِّرِ من خلالِ مَنْحِ الموظَّفِ راتبًا تقاعديًّا كاملًا. وممكن تعديلُ قانونِ العاملينَ، بحيثُ يصبحُ التقاعُدُ إلزاميًّا عندَ سنِّ 50 سنة.

الخصخصةُ مو حلًّا سحريًّا لمشكلاتِ القطاعِ العامِّ، هي حلٌّ فقط إذا كان وفقَ أُسُسٍ صحيحةٍ، لذلك من الضروري دراسة تجاربَ الدولِ الأخرى، ندرسُ التجاربَ الناجحةَ حتَّى نستفيدَ مِنْ نقاطِ القوةِ، وندرسُ أيضًا التجاربَ الفاشلةَ حتَّى نبتعدَ عَنْ أسبابِ الفشلِ. في مصر لَمْ تكنِ التجربةُ ناجحةً، لكنْ في المقابلِ كانَتْ ناجحةً في دولِ، مثلَ الصين وماليزيا والهند وتايوان وإندونيسيا. أوروبا أيضًا اتجهَتْ قبلَ أكثرَ مِنْ 40 عامًا للخصخصةِ، وحقَّقَتْ خلالَ 10 سنواتٍ إنجازات وأرباح في هذا المجال.

خلاصةُ الأمرِ، الخصخصةُ ممكن تَحِلُّ لجزء كبير منْ مشاكلِ القطاعِ العامِّ وممكن تُساهِمُ بإعادةِ الإعمارِ، لكنْ حتَّى تنجحَ التجربةُ، يجب أن نُحدِّدُ بدقةٍ المؤسساتِ التي تحتاجُ لخصخصةٍ، ونضعُ خطةً واضحةً للتعاملِ مع فائضِ الموظفينَ، وتكونُ العقودُ مدروسةً بدقةٍ؛ حتى نضمنَ مصلحةَ الدولةِ والمجتمعِ.

شَارِك المَقَال



عن المقال

  • يحيى السيد عمر