“موارد الأرض قابلة للتجديد إذا أحسن إدارتها”.
هكذا القول أطلقه الرئيس الأمريكي “جون كينيدي” عام 1962، مُحذِّرًا من أن التقدُّم الصناعي يجب أن لا يكون على حساب التوازن البيئي، كانت هذه الكلمات تُقال في زمنٍ كان الحديث عن البيئة رفاهيةً فكريةً لا أكثر، لا أحد يراها أولوية على طاولات السياسة.
أما اليوم وبعد أكثر من ستّين عاماً، فالعالم يواجه معركة تمويل لا تقل صعوبةً عن التغيُّر المناخي نفسه.
نحن على أعتاب قمة المناخ القادمة COP30 في البرازيل، وهي قمة مختلفة ليس فقط؛ لأنها تُعقَد في النِّصف الجنوبي من العالَم، النِّصف المُهمَل اقتصادياً، بل لأنها تأتي في لحظة فارقة، درجات الحرارة ارتفعت أكثر من 1.5 درجة مئوية، والفجوة التمويلية بين الدول الغنية والنامية أصبحت أوسع من أيّ وقتٍ مضى.
فمَن الذي سيدفع الثمن؟ ومَن سيُموّل الانتقال الأخضر؟ الأرقام تقول الكثير.. لكنها لا تُخبرنا مَن سينجو ومَن سينهار.
التقارير تؤكد أن الدول النامية بحاجة إلى 5.4 تريليون دولار سنوياً بحلول 2030؛ للانتقال إلى طاقة نظيفة وتقليل الخسائر المناخية، وما يصلها فعلياً لا يتجاوز 1%، والكارثة أن أكثر من نصفه يأتي في شكل قروض تجارية، وليس مِنحًا.
هذه ليست أرقاماً جافة بل حياة مُهدَّدة… الدول الإفريقية تخسر 5% من ناتجها المحلي سنوياً بسبب التغيُّر المناخي؛ ما يعني أن الدول الفقيرة تُعاقَب مرتين… مرة بتأثيرات تغيُّر المناخ الذي لم تتسبَّب فيه، ومرَّة بدفع فوائد ديون تحاول بها النجاة.
وفي قلب النقاشات المُتعثِّرة، خرج مؤتمر التمويل من أجل التنمية في إشبيلية الإسبانية، المعروف بـFFD4 ليضع رقماً ثقيلاً على الطاولة يُقدَّر ب ـ4 تريليونات دولار سنوياً للعجز العالمي في تمويل أجندة التنمية المستدامة حتى عام 2030، وفي بيانه الختامي حذَّر بصراحة من أنّ “الهدف المناخي قد يسقط في حالة عدم إعادة هندسة النظام المالي العالمي”.
لكن لا جديد.. لا دَعْم فعَّال، ولا أدوات تمويل مستدامة، ولا ضمانات سيادية للدول النامية.
أما الدول النامية فتقع اليوم على حافة كارثة بيئية واقتصادية مزدوجة، فبحسب التقارير منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا هي الأكثر فقراً مائياً في العالم، ويتوقَّع أن ينخفض نصيب الفرد من المياه بنسبة 50% بحلول 2050، لكن على الرغم من هذه الأرقام الخطيرة، لم تحصل دول مثل: مصر، الأردن، السودان، والمغرب إلا على أقل من 1% من التمويل المناخي العالمي.
في حال أخفق COP30 في حسم التمويل المناخي، فالدول النامية ستدفع الثمن من استقرارها الاقتصادي والاجتماعي، فالمشروعات الحيوية -كالمياه والطاقة والزراعة- تحتاج إلى تمويل لا تَمْلكه أغلبُ الحكومات، وسط ديون متراكمة وفوائض مالية محدودة. حتى الدول النفطية ليست خارج هذه المعادلة؛ إذ تواجه تحدي تنويع الاقتصاد، بينما الدول الفقيرة تقع في فَخّ الديون والاحتباس الحراري معاً.
مَن يدفع فاتورة إنقاذ الكوكب؟ الدول الغنية ترى أن الجميع يجب أن يتحمَّل جزءاً من المعاناة، لكنّ الدول النامية ترد: “لقد تسبَّبتم في المشكلة، فلا تتركوا الضحايا وحدهم في مواجهة العاصفة”.
خلاصة القَوْل: المشهد واضح.. القمم الدولية تتكاثر، لكن التزامات التمويل لا تتضاعف، إذا فشل COP30 في إخراج وثيقة مالية قوية قبل انعقادها، فإنها ستفقد قيمتها أمام اختبار الواقع المناخي.