شَارِك المَقَال

يعد نظام الوقف من النظم الاجتماعية الأصيلة المتشعبة الأبعاد. والتي عرفتها مبكراً مجتمعاتنا العربية والإسلامية. ومارستها بانتظام منذ فجر الإسلام إلى يومنا هذا.  وقد ساهم نظام الوقف بدور فعّال في دعم مسيرة حضارتنا العربية الإسلامية. والمحافظة على أصالتها وتفرّدها عبر العصور المختلفة.

 

ما أبرز محتويات الدراسة؟

اضطلعت الدراسة ببيان وتحليل نظام الوقف الإسلامي. من خلال التعريف بمفهوم الوقف وأهميته وأنواعه وشروطه ومجالاته ومشروعيته ونماذجه التطبيقية وأهداف الوقف ومقاصده. بالإضافة إلى أوجه التباين والاختلاف بين النماذج التطبيقية والتنظيرية للوقف غربياً وإسلامياً. علاوةً على تطور الوقف تنظيراً وتطبيقاً على مر العصور والحقب التاريخية. وأخيراً العلاقة بين الوقف وأبنية المجتمع المدني بتطبيقاتها المعاصرة.

 

وانطلقت مباحث ومطالب الدراسة من أسبقية الحضارة الإسلامية في إحياء الأوقاف ودورها في جسر الهوة بين الدولة بسلطتها الفوقية من جهة. والمجتمع بديناميته الفاعلة من جهة أخرى.

 

وبعد التمهيد المفاهيمي والتأصيلي للوقف تشريعاً وتأطيراً وفقاً للخبرة الإسلامية. قدمت الدراسة جملةً من مقاصد نظام الوقف وفقاً للرؤية الإسلامية تشريعاً وخبرةً. مع التعريف بالأدوار التي طالما لعبها الوقف تاريخياً في المجتمعات الإسلامية. كما تناول الكتاب الأدوار الاجتماعية لنظام الوقف في الإسلام. بناءً على سياقات ممارساتية اضطلع فيها الوقف بصوره المختلفة بمهام اجتماعية خدمية للمجتمعات الإسلامية على مر العصور.

 

كما أوضحت الدراسة أن الوقف لَبِنة أساسية من لَبِنات بناء الحضارة الإسلامية وقاعدتها الاقتصادية الصلبة. باعتبارها صدقة جارية ساهمت في تنمية شتى مناحي الحياة الاجتماعية والعلمية والثقافية. إضافةً إلى المناحي الاقتصادية في الدول الإسلامية على مر العصور. سواء في ذلك تصنيفات الوقف النوعية الثلاثة: الخاص الذري والعام الخيري والمشترك.

 

كما حللت الدراسة عملية إدارة الوقف وما يتعلق بها من موضوعات. انطلاقاً من محددات إدارة الوقف. ومن ثم تحليل منصب ناظر الوقف من حيث الأدوار والواجبات. ثم تناول الكتاب جملةً من الضوابط التي تقيّد تصرفات ناظر الوقف. مع التعمق في شرح وتفصيل مسألة إبدال الوقف واستبداله.

 

ثم استفاضت الدراسة في مناقشة اشتراطات الواقفين من حيث الماهية والنص. قبل أن تفصّل بالشرح والدراسة أقسام اشتراطات الواقفين وما بها من مسائل. مع إلقاء نظرة تاريخية على أبرز اشتراطات الواقفين وفقاً لخبرة الوقف الإسلامي في عصوره المختلفة.

 

قبل أن تطوف الدراسة على أبرز المحطات الفقهية والتاريخية الخاصة بالوقف الإسلامي. مع إطلالة على أبرز مجالات الأوقاف في الإسلام وما تستوجبه من ضرورة إعادة الأوقاف الإسلامية إلى سابق عهدها ازدهاراً وانفتاحاً.

 

وانعطفت بعد ذلك لدراسة المعضلات التي أدت إلى تراجع الأوقاف الإسلامية وسبل علاجها. والمستجدات التي شهدها قطاع الأوقاف الإسلامية المعاصرة. وما يستتبعها من ضرورة الأخذ بالنظم الإدارية الحديثة لمؤسسة قطاع الأوقاف في الدول العربية والإسلامية الحديثة.

 

وفي القلب من ذلك شرح وتحليل أقوال العلماء والفقهاء في حكم استثمار الوقف وأوجهه المتعددة. وكذلك صِيَغه المختلفة التي من شأنها أن تحقّق نهضةً شاملةً لنظام الوقف بما يدعم الأهداف التنموية للدول العربية والإسلامية.

 

واتساقاً مع الجوانب التطبيقية قدمت الدراسة تحليلاً لخبرة الخلافة العثمانية ومن ثم الدولة التركية الحديثة في إدارة الأوقاف. والأدوار التي لعبها القطاع الوقفي في تنمية المجتمعات الإسلامية تحت حكم الخلافة العثمانية. ثم في وريثتها الجمهورية التركية المعاصرة.

 

كما لم تغفل الدراسة بحث وتحليل نظام الوقف عند غير المسلمين. سواء في البلدان الإسلامية أو في الدول غير الإسلامية. من حيث الخصائص والنماذج. في سياق مقارن مع خصائص نظام الوقف الإسلامي.

 

من جهة أخرى أكدت الدراسة المكانة الكبرى التي احتلها الوقف في العالم الإسلامي بصفة عامة. سواء في اقتصاداته أو مجتمعاته. بل وتأثيراته في الحياة السياسية والثقافية الفكرية أيضاً.

 

ولذلك لا يمكن إنكار مدى المعضلات التي تخلقها المستجدات الجارية المتعلقة بالوقف تدشيناً وإدارةً. وذلك بالنسبة للمشرّعين والإصلاحيين الحداثيين على السواء.

 

ما أبرز نتائج الدراسة؟

في النهاية خلصت الدراسة إلى أن نظام الوقف الإسلامي هو الابن الشرعي للمنظومة القيمية والفقهية والتشريعية الإسلامية. وفي هذا الإطار من المهم التأكيد على أن الثمرات الكلية للوقف لن تثمر وتينع إلا في رحاب الحديقة الإسلامية الغراء. واقتطاع الوقف الإسلامي من جذوره القيمية والتشريعية الإسلامية يجعل منه مولوداً مبتسراً لا يثبت على قدم وساق. فالبيئة الإسلامية الصحيحة تفرز وقفيةً صحيةً منتجةً لآثارها. والعكس صحيح.

 

ويشهد لهذا أن نظام الوقف في الإسلام قام بدور كبير في إغناء الأمة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية وحتى السياسية. وأيضاً في دعم الحضارة الإسلامية بتطبيقات وحلول ناجعة للمسائل التي لها علاقة بالاجتماع والاقتصاد.

 

غير أنه في المقابل لا يمكن التغاضي عن واقع الوقف في التطبيق المعاصر. والذي يعاني وجوه ضعف عديدة بينة. بسبب التدخل الحكومي والمحاولات المتعددة من أطراف سياسية أو جماعات ضغط (لوبيات) مختلفة للنَّيل من دعائمه الراسخة. والاستيلاء على ريعه وممتلكاته بطرق ملتوية.

 

كما أكدت الدراسة أن نظام الوقف يمتلك سبل التوجيه الشرعية لدعم مختلف القطاعات. رغم كثرتها وتنوع مجالات تدخلها. وتشمل كل الميادين والقطاعات دون استثناء. شريطة حسن تدبيرها وتقنينها بما لا يتعارض مع منطلقات وأسس الشريعة الإسلامية.

 

وبينت الدراسة أن نظام الوقف ومؤسساته واجَه ولا يزال يواجه تحديات خارجيةً كادت أن تصيبه بالشلل. وعلى رأسها التدخل الأجنبي من احتلال واستعمار. ومحاولات طمس الهوية وحملات العلمانيين.. إلخ. وما تبع ذلك من سيطرة الحكومات على الأوقاف وإخراجها عن وظيفتها التي كانت تؤديها في السابق.

 

وأوصت الدراسة بالاستفادة من التجربة الإسلامية الثرية لنظام الوقف وتفعيله في واقع المسلمين اليوم. مع الاستفادة من النظم الغربية المبتكرة في تطويره. وهذا أمر غاية في الأهمية رغم حساسيته. وذلك لتجاوز عوائق التطبيق في إطار الخبرة الإسلامية طبعاً. فالحكمة أولاً وأخيراً هي ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحقّ بها.

 

كما أوصت بضرورة التطوير في البحوث والكتابات الوقفية لتنتقل من السرد التاريخي والتراثي إلى المعالجة المعاصرة. خاصةً في مجالات التنظيم المالي والإداري والمحاسبي للوقف. وهي مجالات تظل خصبةً للباحثين على الدوام.

 

شَارِك المَقَال

تفاصيل الكتاب

  • المؤلف : يحيى السيد عمر
  • دار النشر : دار الأصالة
  • عدد الصفحات : 550
  • قياس الكتاب : 16*24
  • سنة الإصدار : 2021
  • اللغة : العربية
  • التصنيف :

تحميل الكتاب

مرات التحميل: 1173



كتب أخرى للمؤلف