شَارِك المَقَال

تعتمد الإدارة الرشيدة في أي منظمة على العنصر البشري بشكل أساسي؛ حيث يمثل هذا العنصر الضلع الأهم في مثلث العملية الإنتاجية بجوار رأس المال، والموارد الطبيعية المتاحة.

ويتمثل الاهتمام بالعنصر البشري في عملية التنمية الإدارية من خلال التدريب المستمر التي يخضع له الموظفون، والمهارات التي يكتسبها العاملون في المنظمة، سواءً كانت خبرات في مجال العمل نفسه، أو خبرات تساعد الموظفين في أعمالهم بشكل غير مباشر.

إلا أنه نادراً ما نجد -في عالمنا العربي على الأقل- اهتماماً بالحالة النفسية والمعنوية للموظفين داخل المنظمة، وخاصة ما يتعلق بعنصر السعادة، وتأثيرها على الأداء الوظيفي، والناتج الذي يقدمه الموظفون بعد الشعور بها داخل عملهم، ليتحول هذا العمل من ضغوط ومتاعب بدنية ونفسية إلى حالة من المرح والحب والتفاؤل والسعادة أيضاً، يقضيها الموظف طوال فترة دوامه بالعمل.

وتنطلق الحكومات التي تعتمد على إسعاد موظفيها من أجل تحقيق أهدافها الإنمائية، من مبدأ رئيس مفاده أن وظيفة الحكومة الأساسية هي تهيئة البيئة المناسبة لسعادة الأفراد والمواطنين بشكل عام داخل الدولة، ومن بينهم الموظفون بطبيعة الحال، وذلك من خلال ترسيخ القيم الإيجابية في المجتمع، وهو ما يجعلها تسخر كافة السياسات والبرامج والخدمات الحكومية في صناعة مجتمع إيجابي وسعيد.

إذن؛ فسعادة موظفي الحكومة تنبع في الأساس من سعادة تحاول دوائر اتخاذ القرار توفيرها لأفراد المجتمع بكافة شرائحه؛ وعليه، فهي علاقة متكاملة ودائرية، وتتلخص في الجملة التالية: “حكومة تسعد موظفيها ليسعدوا شعبها“، في إطار ما يمكن أن نطلق عليه فلسفة “صناعة سعادة الموظفين”، والتي يمكن تعريفها بأنها تحقيق أفضل استخدام للموارد المتاحة لديك للتغلب على التحديات التي تواجهها من أجل إسعاد موظفيك، بتحقيق ما يريدونه وتفادي ما يرفضونه، للوصول لأفضل مستوى من الأداء الوظيفي يفضي بدوره إلى إسعاد الآخرين، فحالة الرضا التي يشعر بها الموظف تجاه عمله، تجعله يقدم أفضل أداء وظيفي ممكن.

كما تهدف فلسفة نشر السعادة بين موظفي القطاعات الحكومية، في الدول التي تطبقها، إلى أن تكون السعادة أسلوب حياة في المجتمع؛ بحيث تكون كافة الوزارات والهيئات والمؤسسات الحكومية، وزارات سعادة بامتياز، بسياساتها وبرامجها وخدماتها، مع التعرض لأهمية سعادة الموظفين، ليس فقط بالنسبة للموظف نفسه، بل أيضاً للقيادات العليا والوسطى والتنفيذية، بالإضافة إلى أهميتها بالنسبة لجمهور المستفيدين.

كما تقتضي تلك الفلسفة بأن تسعى الحكومات إلى إكساب مواطنيها الثقة وحس المسؤولية في رسم مستقبلهم بخطًى ثابتة، وإكسابهم روحاً ريادية عالية، للمشاركة بفاعلية في مسيرة بناء المجتمع، متسلحين في ذلك بالقيم والأخلاق النبيلة، بما يعزز شعورهم بالإنجاز وتحقيق الذات، وهو ما ينعكس إيجاباً على تعزيز مكانة الدولة إقليمياً ودولياً. كما يمهد انتشار السعادة بين الموظفين سبل الوصول لاقتصاد تنافسي يتميز بالمعرفة والإبداع، والتنوع والمرونة بما يضمن الازدهار بعيد المدى، ناهيك عن الاقتصاد المعرفي عالي الإنتاجية والجودة.

وهنا تأتي أهمية البحث عن السبل التي يمكن من خلالها تحقيق السعادة للموظفين، مثل منحهم علاوة مالية تحفيزية، وهو ما يعد مفتاح السعادة لكثير من المواطنين، بالنظر إلى دور ذلك النوع من المحفزات في تحسين مستوى دخل الفرد؛ الأمر الذي ينعكس إيجاباً على تحريك الاقتصاد، وترويج منتجاته بالتبعية. هذا إلى جانب عامل الترفيه عن الموظفين، والذي كان في الماضي بمثابة الوسيلة الوحيدة لتحقيق السعادة لهم. وهو أمر كان يحدث في إطار التمتع بمباهج الحياة، والحصول على إجازات دورية ورحلات منظمة، وكذلك ممارسة العديد من الأنشطة الترفيهية الأخرى، في حين يعود هذا التقليد إلى العصور الموغلة في التاريخ؛ إذ تشير البرديات القديمة إلى أن العمال في عهد الفراعنة، كانوا ينشدون أثناء العمل بعض الأغاني الحماسية بشكل جماعي.

ثمة أهمية خاصة، إذن، لدراسة دور الفاعلين الرئيسين في إدارة المجتمعات الإنسانية وغيرهم في حصول الموظف على نصيبه من السعادة في مراحل تبدأ من أسرة وعائلة تخرج إنساناً سوياً، مروراً بمؤسسات تربوية تعليمية، تصقله علمياً وخلقياً، وصولاً إلى حكومة توفر له كل سبل الراحة والرفاهية كموظف، من أجل تحسين حالة المواطن النفسية والمعنوية.

وعليه، يمكن القول، ثمة فوائد عدة لإشاعة السعادة بين الموظفين؛ فالموظف السعيد يشع بالطاقة والحيوية في مكان عمله أكثر من الموظف غير السعيد؛ حيث تهدف الإدارة بالسعادة في بيئات العمل إلى توفير مناخ عمل مريح وسعيد لرفع مستوى الإنتاجية مع ضمان جودة الأداء الخاص بالموظفين، خاصة مع تكريس نهج تفاعلي في العلاقة بين الإدارة والموظفين، وذلك في إطار استراتيجية شاملة لبناء منظومة عمل متكاملة لإسعادهم؛ من خلال تحقيق راحة وأمن وسلامة الموظفين بهدف تقديم أفضل الخدمات، مع تقدير وتكريم الموظفين المتميزين أفراداً كانوا أم مجموعات (فرق، وإدارات)؛ بسبب تميزهم في أدائهم وإنجازاتهم الشهرية أو السنوية.

بالإضافة إلى ذلك فهناك عوامل أخرى يمكنها أن تكون سبباً في جلب السعادة للموظفين، مثل إضفاء جو من التعاون والثقة والمحبة، والعلاقة الإيجابية الراقية بين الموظفين، والاهتمام بأمورهم الشخصية، وتوجيههم للتميز والارتقاء بقدراتهم العملية، مما يرفع من جودة إنجازهم وتمكينهم الوظيفي واستمتاعهم بالعمل. ومن بين الأساليب الشائعة أيضاً من أجل إسعاد الموظفين تطوير قدرتهم على أداء مهامهم من خلال تنظيم ورش عمل ودورات تدريبية تخصصية، تزيد من ثقتهم بأنفسهم، من خلال شعورهم بدورهم الإيجابي ومكانتهم في مكان عملهم.

وبشكل عام فإن سعادة الموظفين ترتكز على خمس ركائز أساسية؛ تشمل الاهتمام بصحة الموظفين، تعزيز ثقافة التواصل والتفاعل بين الموظفين، المرونة في العمل، غرس مفهوم العطاء للمجتمع، إضافة إلى التدريب والتطوير المهني.

شَارِك المَقَال

تفاصيل الكتاب

  • المؤلف : يحيى السيد عمر
  • دار النشر : نماء الاعلامية
  • عدد الصفحات : 362
  • قياس الكتاب : 17*24
  • سنة الإصدار : 2025
  • اللغة : العربية
  • التصنيف : الإدارة - إدارة الموارد البشرية

تحميل الكتاب

مرات التحميل: 6



كتب أخرى للمؤلف