شَارِك المَقَال

التميز المؤسسي صناعة استراتيجية ذات مراحل وخطوات متتابعة تهدف إلى تحقيق المؤسسة أعلى مستوى ممكن من جودة الأداء بها. ولعل السر في التميز يكمن في إدراك المؤسسات لأهمية صناعة التميز المؤسسي. وأنها سارت على الطريق خطوةً وراء الأخرى حتى حققت التميز والجودة المنشودة.

 

لا شك أن التميز ممكن ومتاح للجميع بشرط بذل الجهود والعطاء والعمل المستمر من أجل التحسين والتطوير في الأداء المؤسسي. ومن هنا جاءت هذه الدراسة تسعى لبحث واستقصاء أسباب هذا التميز وجوانبه المختلفة. وإن كانت تركز بشكل أساسي على المؤسسة لاعتبارها اللبنة الأولى في تحقيق أي إنجاز للدول والمجتمعات.

 

تبدأ الدراسة بتعريف مفهوم التميز. ثم تتناول عناصر هذا المفهوم. والأسباب التي تؤدي إلى التميز. كما تفنّد العوائق التي تقف في طريقه. وكيفية تجاوزها. وكذلك تتعرض إلى عناصر التميز وكيفية تحقيقيها. مع النزول إلى أرض الواقع. وذكر تجارب بعض من الدول التي حققت مؤسساتها التميز.

 

وأكدت الدراسة أن المؤسسات الرائدة تجنح إلى تشكيل فريق داخل المؤسسة لقيادة جودة الأداء وتطوير الأداء المؤسسي بها. والذي يقوم بعمليات التوعية اللازمة لأهمية تحقيق التميز في الأداء. وكذلك بناء ثقافة داعمة للتطوير المؤسسي بدعم من الإدارة العليا للمؤسسة. بالإضافة إلى وضع التصورات والخطط الشاملة لتحقيق تطوير الأداء.

 

يلي ذلك القيام بعملية تقييم ذاتي للمؤسسة. حتى تتمكن المؤسسة من التعرف على مواطن القوة ومواطن الضعف بها. والتعريف بوضعها الحالي وإمكاناتها وقدراتها المختلفة. وكذلك احتياجاتها ومتطلباتها نحو تحقيق التميز. ومن ثم تحديد أولويات التطوير المؤسسي. من خلال سد فجوات الأداء الأشد تأثيراً سلبياً في إنتاجية المؤسسة. وتحقيق أهدافها وفق رؤيتها ورسالتها. ومناقشة أسباب تلك الفجوات. واتخاذ القرارات المناسبة بأولويات التطوير.

 

وأكدت الدراسة أن صناعة التميز المؤسسي تأتي من خلال تصميم وإعداد الخطة الإجرائية لتطوير الأداء المؤسسي. وهنا ينبغي تشكيل فريق العمل القادر على بناء مثل تلك الخطط. مع تحديد الجدول الزمني اللازم لإدارة هذه الخطة وتنفيذها وتحديد الأهداف العامة للتطوير. مع رفع مستويات الأداء المتوقع بلوغه بنهاية تحقيق وتنفيذ الخطة على أرض الواقع. والتي يعقبها متابعة وتقويم الأداء المرتبط بتنفيذ الخطة الإجرائية لتطوير الأداء المؤسسي. عبر تشكيل فريق متابعة وتقييم الأداء. وتوعيته بأساليب متابعة وتقييم الأداء وفقاً للأنشطة الموجودة بالخطة. وكذلك الاتفاق على آليات وأدوات المتابعة اللازمة. والاتفاق حول نوعية الأداء والشواهد والأدلة المطلوب متابعتها.

 

تأتي هذه الدراسة في وقت أصبح فيه تحقيق المؤسسات لأعلى مستوًى ممكن من الجودة والإتقان والتميز أمراً ضرورياً للغاية. لا يمكن تغافله أو عدم الاهتمام به. لا سيما أننا أصبحنا نعيش في عصر ذي إيقاع سريع التطور والتغيير. وهو عصر الثورة المعرفية الهائلة والتقدم التكنولوجي والتقني غير المسبوق. الذي لا يعترف إلا بالمتميزين الأكفاء فقط سواءً كانوا أفراداً أو مؤسسات.

 

كما تأتي الدراسة في الوقت الذي تغيّرت فيه متطلبات سوق العمل بصورة كبيرة. حيث أصبح سوق العمل لا يقبل إلا بالخريج المتميز الكفء الذي يمتلك الكثير من القدرات والمعارف والخبرات. وهو ما يوجب على الجميع فهم التميز والجودة. وهو أيضاً دور المؤسسات المختلفة التي يجب عليها أن تتجه بقوة نحو صناعة التميز. وأن توجه وتسخر كل إمكاناتها البشرية والمادية في سبيل تحقيق الجودة الشاملة في الأداء المؤسسي.

 

وهو ما يتطلب -بحسب كثير من الخبراء الإداريين- مجموعة من التوجهات الإدارية التي تشترك في بناء ثقافة تنظيمية تحفّز فرص التميز. مع توفير أفضل الظروف والآليات والأدوات للأداء الذي يلتزم بمواصفات ومتطلبات الجودة والتميز الشامل. حيث إن التميز ليس مرحلة تصل لها المؤسسة وتقف عندها باعتبارها نهاية المطاف. بل إن هناك مرحلة ما بعد التميز وهي استدامة هذا التميز واستمراريته. في ظل ظروف إقليمية وعالمية بالغة التعقيد ومتزايدة الحدة.

 

كما تبحث الدراسة في أسباب التميز المؤسسي والعناصر التي تحقق هذا التميز. ومن ثَم تعمد إلى تحليل معايير التميز المؤسسي عبر وجود أساس متين لتفعيل إطار الحوكمة في المؤسسات. وهو ما يعرف بالحكم الرشيد. أو الحكم الذي يقوم على التطبيق السليم للقواعد والقوانين التي تجري بموجبها إدارة المؤسسة والرقابة الفاعلة عليها.

بالإضافة إلى ذلك تحلّل الدراسة آليات تفعيل الحوكمة من خلال رفع مستوى الشفافية. خصوصاً القوانين التي تتوافق مع الإطار القانوني العام للدولة التي تقع ضمنها المؤسسة.  علاوةً على الحرص على حماية حقوق حمَلة الأسهم. وكذلك حقوق أصحاب المصالح ذوي العلاقة الوثيقة بالمؤسسة. بما في ذلك الحكومة والمجتمع المدني والموردين والجهات الممولة وغيرها.

 

كما تتضمن مناقشات الدراسة معايير القدرة على المنافسة. وذلك من خلال تقديم منتجات وخدمات ضمن المواصفات المطلوبة. وفي الأوقات المحددة. وضمن احتياجات المستهلكين. بأسعار معقولة لا تزيد عن الأسعار التي يطرحها المنافسون في نفس القطاع الذي تعمل ضمنه المؤسسة.

 

بالإضافة إلى ذلك تشمل الدراسة أهمية وجود نظام قوي لإدارة الموارد البشرية في المؤسسات. وذلك عن طريق كفاءة إجراءات التعيين. التي تضمن اختيار الموظفين الأكفاء. بالإضافة لوجود برامج تدريب وتأهيل مستمر للموظفين. مع ضمان شعور الموظفين بالأمان الوظيفي. والحرص على منح رواتب ملائمة. تتناسب مع طبيعة العمل وإنتاجية المؤسسة والأداء. ووجود نظام حوافز للإنجاز المتميز.

 

كما تقدم الدراسة إطلالة على أهمية الفصل بين الوظائف التنفيذية والوظائف الرقابية ودورها في منع الفساد. وكذلك التنوع في الإدارة العليا في المؤسسة من حيث الجنس والعرق والدين. بما يساهم إلى حد كبير في الحيلولة دون التصرفات والسلوكيات غير الأخلاقية ويخلق ثقافة التزام جماعي وإحساساً عالياً بالمسؤولية لدى العاملين.

 

من ناحية أخرى تطرقت الدراسة إلى عوائق التميز المؤسسي. وخاصةً المتمثلة في الروتين والالتزام الحرفي بالقانون والتعليمات والأنظمة والإجراءات. وكذلك عدم ثقة بعض المديرين بأنفسهم. عدم وجود قيادة إدارية مؤهلة. تطبيق هيكل تنظيمي غير سليم لا يسمح للأفراد بحرية الرأي والاجتهاد. بالإضافة إلى وجود أسلوب القيادة غير السليم. وعدم توافر قنوات اتصال سليم بين الإدارة العليا والوسطى والتنفيذيين.

 

وفي ختام الدراسة تم إلقاء الضوء على أبرز التجارب الرائدة في تطبيقات مفهوم التميز المؤسسي.

 

خلصت الدراسة إلى أن الدول العربية باتت بحاجة ملحة إلى كثير من عمليات الإصلاح المؤسسي والإداري. بيد أنه -مع الأسف- فإن الاستراتيجيات والأدوات والآليات اللازمة لإنجاز تلك العملية الدقيقة تبدو غائبةً أو غائمةً على أحسن تقدير.

 

وفي القلب من تلك الاستراتيجيات يأتي مفهوم التميز المؤسسي. الذي لا يعد رفاهية فكرية أو تنظيرية. بل أضحى واجباً تطبيقياً وضرورةً وقتيةً لازمةً في ظل عالم متسارع نحو مزيد من استراتيجيات ووسائل ووسائط التنافس المؤسسي والتطور الإداري. لا سيما مع ما تواجهه العديد من دول المنطقة من تحولات بالغة التأثير على جميع الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والتكنولوجية. الأمر الذي ينعكس بشكل واضح على قدرتها على توطين التنمية والتطور بما يواكب حاجات عملائها ومواطنيها المتعددة والمتنوعة والمتغيرة.

 

الواقع الإداري والعملي العربي يفتقد لكثير من أسس ومقومات وآليات التميز والإبداع في الإدارة بشقيها العمومي والخاص. إذ إن كثيراً من المؤسسات والبنيات الإدارية تعاني من معوقات داخلية وخارجية لا حصر لها. والتي تؤثر سلباً على أدائها وجودة خدماتها. وفوق هذا مستوى مواردها البشرية.

 

كما توصلت الدراسة إلى أن التميز في الأداء يعني الريادة والإبداع في تقديم منتجات وخدمات وتحقيق نتائج متميزة ترضي العملاء والمساهمين والموظفين. وتعرف الشركات المتميزة في الأعمال بأنها الشركات التي تقوم بتطبيق استراتيجية ثابتة ترتكز إلى عاملين أساسيين. هما التركيز على الإبداع والقيمة المضافة. واتخاذ قرارات صحيحة وسليمة.

شَارِك المَقَال

تفاصيل الكتاب

  • المؤلف : يحيى السيد عمر
  • دار النشر : نماء الاعلامية
  • عدد الصفحات : 362
  • قياس الكتاب : 17*24
  • سنة الإصدار : 2025
  • اللغة : العربية
  • التصنيف : الإدارة - الجودة والتميّز المؤسسي

تحميل الكتاب

مرات التحميل: 12



كتب أخرى للمؤلف