شَارِك المَقَال

أثارت الرسومات المسيئة والهجمات على جناب النبي محمد صلى الله عليه وسلم حالةً من الغضب الشديد والسخط العام في بلاد العالم الإسلاميّ، وخاصةً على مَن تَوَلَّوْا كِبَرَ هذه الاعتداءات وأيَّدُوها وسَكَتُوا عنها، وتأتي على رأس هذه الدُّوَل فرنسا، التي ما فتئت تتَّخذ مواقف مناوئة من الإسلام ونبيّه وشعائره، وتعْلن بإصرار إطلاقَ العنان لكلِّ مَن يُسيئون لهذا الدِّين العظيم وشعائره، وتوفِّر لهم الحماية والدَّعْم تحت ذريعة حُرَّيَّة الرأي والتعبير التي تُسْتَخْدَم فقط ويُسْمَح بها في إهانة مُقدَّسات المسلمين دون غيرهم من أصحاب الأفكار الوضعيَّة والدِّيانات الأرضيَّة، في صورةٍ تُسْفِر عن حِقْدٍ فرنسي دَفِين على الإسلام ونبيّه الأعظم وشعائره ومُقدَّساته.

 

وعلى إثر ذلك العدوان البَيِّن؛ انتفضت الجماهير المسلمة في شتَّى بقاع الأرض في حملاتٍ عفويَّة دفاعًا عن النبيّ محمد صلى الله عليه وسلم، وانتشرت دعوات لمقاطعة المنتجات الفرنسيَّة، ممَّا أرغم ساسة فرنسا على التراجع والتصريح بأنه قد أُسِيئَ فَهْم مواقف فرنسا وتصريحات قادتها.

 

وضمن بحوث العدد العاشر من إصدارات السنة الثالثة الصادرة في مایو/أیار 2021م، نشرت مجلة لباب للدِّراسات الاستراتيجيَّة والإعلاميَّة دراسةً مُهِمةً، استخدمت تقنيات علميَّة جديدة، ومقاربةً منهجيةً مبدعة، لتحليل محتوى حملة مقاطعة المنتجات الفرنسية على موقع تويتر.

 

جاءت هذه الدراسة تحت عنوان “حملة مقاطعة المنتجات الفرنسيَّة على تويتر:  دراسة في تحليل الشبكات الاجتماعية” ، والذي شارك في إعداده فريقٌ بحثي ضَمَّ كلاً مِن: د. أسماء ملكاوي، ود. مشاري الرويح، والباحث يحيى السيد عمر.

 

هذا وتختلف الأدوات المنهجيَّة في هذه الدِّراسة عن آليَّات تحليل المضمون، المستخدَمة في عددٍ كبيرٍ من البحوث المُتعلِّقة بوسائل الإعلام التقليديَّة، فقد فرضت شبكات التواصل الاجتماعيّ، نمطًا اتصاليًّا جديدًا، ومدًى لا حصر له من المحتوى، وشبكة ممتدَّة ومعقَّدة من المستخدمين، لا يناسبها تحليل المضمون التقليديّ.

 

وهدفت الدراسة إلى فَهْم واستكشاف الجوانب المختلفة لحملة مقاطعة المنتجات الفرنسيَّة على تويتر، وقد استخدمت برنامج (NodeXL)  لتحليل الشبكات الاجتماعيَّة، وبرنامج (MAXQDA) لتحليل مضمون عينة عشوائيَّة من التدوينات ومعرفة موضوعاتها.

 

وتوصلت الدراسة إلى مجموعة من النتائج، من أبرزها: ظهور شبكة تَجْمَع بين الحشود المتراصَّة والشبكات المجتمعيَّة، دون ظهور استقطاب واضح، وتبيَّن أنها حملة دينيَّة المحتوى، اقتصاديَّة الوسيلة، سياسيَّة الغاية.

 

أما أبرز موضوعاتها فهي: استدعاء التاريخ الاستعماريّ الفرنسيّ، وجميع محاولات استفزاز المسلمين، واستجماع مكامن القُوَّة لدى المقاطعين، وعلى رأسها وحدة الأمة، ومحبَّة النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

 

وبرغم أهميَّة النتائج التي توصلت إليها الدراسة، فإن ما يوازي ذلك أهميةً، بل وربما يتفوق عليه، هو منهج البحث ذاته؛ إذ يؤسِّس لآليَّات مُتقدِّمة في الدِّرَاسَات الإعلاميَّة، تنسجم وطبيعة الشَّبكات الاجتماعيَّة وتعقيدات الإعلام الجديد، وما بات يُمثِّله، من ثِقَل جوهريّ في دوائر الاتِّصال الجماهيريّ في عصرنا الراهن.

ويُعْتَبَر هذا البحث نموذجًا للباحثين الإعلاميين، ومنهم بشكلٍ خاصّ الباحثون الشباب، الذين سيكون الإعلام الجديد مِحْور انشغالهم في المستقبل.

شَارِك المَقَال



عن الورقة

  • الباحث : يحيى السيد عمر

تحميل الورقة

أوراق أخرى

الأكثر قراءة خلال هذا الأسبوع