في السياسة؛ الذاكرة والواقعية لا يجتمعان بسهولة. ومع ذلك تحاول سوريا اليوم أن تجمعهم، وهذا الأمر ليس سهلاً.
دمشق تكتب السياسة الخارجية من الصفر، ليس بالعاطفة ولا بالانتقام، لكنْ بالواقعية. وهذا واضح بالعلاقة بين سوريا وروسيا، والتي تُحْكَم بالمصالح وليس بالعواطف.
الواقعية تفرض على سوريا التعامل مع روسيا؛ باعتبارها دولة كبرى، وسوريا تحتاج علاقات متوازنة مع جميع الأطراف؛ فالاعتماد على الغرب وحده خطأ، والاعتماد على الشرق فقط خطأ أكبر؛ إذ الاعتماد على طرف واحد مخاطرة كبيرة.
والدروس واضحة؛ أوكرانيا اعتمدت بالكامل على الغرب، وإيران تعلقت بالشرق، والنتيجة كانت واضحة. وسوريا اليوم يبدو أنها استفادت من دروس الآخرين، وتعمل على بناء علاقات جديدة ومتوازنة مع الشرق والغرب.
السؤال: كيف يمكن بناء علاقة مع دولة كان لها دور مباشر في معاناة الشعب؟ دولة دعَّمت النظام البائد بقوة؟
جواب الرئيس الشرع كان واضحًا: العلاقة اليوم يجب أن تكون جديدة، لا ولاء ولا تَبعية، علاقة ندِّية مبنية على المصلحة والاحترام المتبادل.
زيارة الرئيس الشرع لموسكو كانت خطوة أُولَى باتجاه تصويب العلاقة، والزيارة كانت بداية جديدة مع طلبات واضحة؛ تسليم بشار الهارب وكبار مسؤولي النظام البائد، ولا شك أن المطالبة بتسليم المجرمين في قلب الكرملين موقف قوة، ورسالة بأن سوريا لا تبحث عن الانتقام، لكنّها تريد العدالة.
وبغض النظر عن موقف موسكو، فالطلب بحدّ ذاته توضيح لشكل العلاقة التي تريدها دمشق. وإعلان أن المحاسبة لم تَنْتَهِ بعدُ.
سوريا اليوم بحاجة لموسكو في عدة ملفات، أهمها تسليح الجيش السوري؛ لأن الغرب على الأغلب لن يُسلِّح الجيش السوري، والسبب ضمان أمن إسرائيل. وروسيا تحتاج إلى سوريا، فالقواعد الروسية على المتوسط ورقة قوية بيد دمشق، ويمكن التفاوض عليها مقابل عدة قضايا.
في النهاية، سوريا اليوم تسير على حبل رفيع بين الشرق والغرب، بين المصالح والمبادئ، بين الحاجة والكرامة.