بعد تسجيله أفضل أداء بين العملات في عام 2022م تراجع الروبل الروسي لأدنى قيمة له منذ مارس 2022م. ليبلغ 102 روبل لكل دولار. قبل أن يتحسن نسبياً ليسجل 92 روبل لكل دولار. وهو ما يشي بضعف قدرة موسكو على إخفاء التداعيات الاقتصادية للعقوبات الغربية عليها. وكذا يشير إلى أن مستقبل الاقتصاد الروسي ليس جيداً.
في الحقيقة اعتمدت موسكو بعد الحرب على تنشيط اقتصادها. من خلال تخفيض معدلات الفائدة. واتباع سياسة نقدية توسعية. ما ساهم في تمويل الإنفاق العسكري المتصاعد. إلا أن انخفاض عائدات التصدير في ظل العقوبات أدى إلى زيادة عجز الميزانية الروسية. وجعل البلاد أكثر اعتماداً على الواردات.
وعلى الرغم من ارتفاع أسعار النفط نتيجةً للحرب. إلا أن عائدات التصدير نفسها منخفضة. بسبب الحدود القصوى للأسعار التي وضعها الغرب. كما أن المصدرين يعيدون جزءاً بسيطاً من عائداتهم بالعملات الأجنبية. ففي يونيو الماضي كان40% من الصادرات الروسية مقوم بالروبل. مما زاد الضغط على سعر الصرف.
وبعد فرض حد أقصى لسعر النفط الروسي عند 60 دولاراً للبرميل تراجعت قيمة الصادرات. وانخفضت العوائد المقومة بالدولار بنسبة 15% من يناير إلى يوليو مقارنةً بالفترة نفسها من العام الماضي. وبسبب ارتفاع الواردات على حساب الصادرات انخفض فائض الحساب الجاري بنسبة 86%. محققاً عجزاً قدره 25 مليار دولار.
بعد بدء الحرب رفع البنك المركزي الروسي أسعار الفائدة من 9,5% إلى 20%. لكنه بدأ في خفضها بعد ذلك بوقت قصير. حتى وصل إلى 8,5%. قبل رفعها حالياً إلى مستوى 12%. وفي الأسبوع الماضي أوقف المركزي الروسي مشترياته من العملات الأجنبية حتى عام 2024م لتقليل التقلبات. لكن هذه الخطوة لم توقف تراجع الروبل.
من المتوقع أن يؤدي الضغط المتزايد على الروبل لرفع معدلات التضخم. والأكثر سوءاً بالنسبة للروس الذين اعتادوا على الأزمات الاقتصادية أن يدفعهم هذا التراجع لنقل أصولهم خارج البلاد أو تخزينها بعملات أخرى. وهو ما حدث بالفعل. حيث ارتفعت حيازة الروس للعملات الأجنبية بنسبة 23%. وقفزت التدفقات النقدية للخارج بنسبة 41%.
النظرة السلبية لمستقبل الروبل تعود لعدة أسباب. أولها أن صانعي القرار في موسكو لديهم القليل من الأدوات المتاحة لدعم الروبل بعد أن جمدت الدول الغربية حوالي 300 مليار دولار من احتياطيات روسيا من العملات الأجنبية.
السبب الثاني أن عملة الروبل الرخيصة قد ترفع من عائدات النفط للحكومة. لكنها ترفع أيضاً تكلفة الواردات. وهو ما يضاعف عجز الميزان التجاري.
أما السبب الثالث فيتمثل في أن عزلة روسيا تعني أن أسعار الفائدة المرتفعة لن تغري الأموال الساخنة. ولذا قد يتحول التركيز إلى رأس المال المحلي الذي يسعى بدوره للهروب.
في جميع الأحوال سيتعرض اقتصاد الروس للضغط. وسيؤدي ارتفاع معدلات التضخم وارتفاع أسعار الفائدة إلى إضعاف القوة الشرائية للروس العاديين. مما يجبرهم على شراء عدد أقل من السلع الأجنبية. طالما لم تقلل الحكومة الروسية من الإنفاق العسكري. وطالما استمرت آلة الحرب في أوكرانيا.
في النهاية إن تراجع الروبل لا يعني بالضرورة انهيار الاقتصاد الروسي. فما يزال لدى موسكو العديد من أوراق القوة. على رأسها الإنتاج الهائل من النفط والغاز والذي يضمن لها الحدود الأدنى من النفقات. لكن تراجع الروبل يشير إلى تأزم اقتصادي قد يضعف الموقف التفاوضي للروس في أي حل سياسي مرتقب.