شَارِك المَقَال

سبّبت الحرب الروسية الأوكرانية أسوأ أزمة غذاء في العالم خلال العقود الأخيرة. فالدولتان مصدر رئيس لعدد كبير من المحاصيل والأسمدة الزراعية. فهما تصدران أكثر من ثلث الصادرات العالمية من القمح. و55% من زيت عباد الشمس. و17% من الذرة والشعير. جزء كبير من هذه الصادرات توقف بسبب الحرب. وهو ما يهدد العالم بمجاعة حقيقية. ناهيك عن أثره على التضخم وارتفاع أسعار الغذاء. وهنا تظهر أهمية المساعي التركية لإيجاد ممرات بحرية آمنة تسمح باستئناف صادرات الحبوب. فنجاح المسعى التركي يعد مطلباً عالمياً. إلا أنه ليس بالأمر اليسير لأن دونه عقبات عدة. والسؤال هنا: ما آفاق نجاح المساعي التركية لفتح ممرات آمنة للحبوب؟

 

ما الواقع الحالي لصادرات الحبوب؟

بلغت صادرات أوكرانيا من الحبوب عشية الحرب 6 ملايين طن شهرياً. وبعد الحرب انخفضت إلى حوالي مليون طن. حيث اضطرت كييف إلى نقل الحبوب بالقطار عبر حدودها الغربية أو عبر موانئ نهر الدانوب الصغيرة. وهو ما لا يمكنه تعويض قدرة الموانئ البحرية. فالكمية القصوى التي يمكن أن تُصدّرها أوكرانيا بدون الموانئ قد ترتفع إلى 1,5 مليون طن شهرياً. لكن مع تراكم كبير لعربات الحبوب عند المعابر الحدودية قد تضطر الشاحنة إلى الانتظار لمدة شهر على الأقل لعبورها.

يعد الحصار الروسي لموانئ أوكرانيا على البحر الأسود السبب الرئيس لعدم قدرة أوكرانيا على تصدير الحبوب. وهو ما يسعى الرئيس أردوغان لحلحلته خلال القمة الثلاثية مع الوفدين الروسي والأوكراني. في ظل توقعات قوية بنجاحه. من جانبه يحاول بوتين نفي الاتهامات الموجّهة إليه بالتسبب بأزمة غذاء عالمية وإلقاء التهمة على الغرب.

 

 

ما أهم العقبات في وجه المسعى التركي؟

يواجه المسعى التركي عدة عقبات. أهمها الاتهامات المتبادلة بين أوكرانيا وروسيا حول سرقة الحبوب. ورغبة روسيا في تفتيش السفن التي تدخل الموانئ الأوكرانية خوفاً من نقل الأسلحة إلى الجيش الأوكراني. وهو ما ترفضه أوكرانيا. بالإضافة إلى الألغام التي نُشرت في البحر الأسود وبعضها لم يعد تحت السيطرة. وفي هذه القضية تقترح بعض دول الناتو مرافقة سفن الشحن في البحر الأسود لحمايتها من الألغام. وهو ما ترفضه كل من روسيا وتركيا. مع رغبة أوكرانيا في حل القضية تحت رعاية الأمم المتحدة وهو ما ترفضه روسيا.

 

 

ما المصالح التركية من نجاح الوساطة؟

تطمح أنقرة من خلال نجاح وساطتها إلى زيادة رصيدها الدبلوماسي في حلّ الأزمات. هذا من جهة. ومن جهة أخرى لا ترغب أنقرة في أي تصعيد جديد بين الناتو وروسيا. خاصةً في ظل الطروحات المتعلقة بإرسال سفن بحرية للناتو إلى البحر الأسود. وهذا ما يرفع من احتمالية نشوب صدام عسكري على حدودها. وهو ما لا ترغب به تركيا.

من مصلحة العالم أجمع أن تنجح تركيا في مساعيها لإيجاد ممرات آمنة للحبوب. فهو يشكل تبريداً نسبياً للحرب والتوتر بين روسيا والغرب. كما أن هذا النجاح سينعكس إيجاباً على الوضع الاقتصادي العالمي. كما قد يكون بمثابة مرتكز يمكن الانطلاق منه لإيجاد تفاهمات جديدة بين روسيا والغرب برعاية تركية. وبالتالي رفع فرص إنهاء الحرب.

شَارِك المَقَال