يشهد السودان اشتباكات عنيفة بين قوات الجيش وقوات “الدعم السريع” في مشهد قد يدخل البلاد في أتون حرب أهلية. فالخلاف السياسي في البلاد تطور بشكل متسارع ليتحول إلى صدام عسكري لا يمكن التكهن بمستقبله. وهذا المشهد السياسي والعسكري أثار التساؤلات حول طبيعة قوات “الدعم السريع” وسبب تدهور الوضع في السودان.
في الحقيقة يعود الظهور الأول لقوات الدعم السريع إلى السنوات الأولى من القرن الحالي. والتي كانت بمثابة ميليشيا عسكرية غير نظامية. وكان الصراع في إقليم دارفور السبب الرئيس لتأسيس هذه الميليشيا. فكانت تقاتل نيابةً عن الحكومة. خاصةً أنها تتمتع بمرونة في حرب العصابات. والتي كانت مناسبة لطبيعة الصراع آنذاك.
في بداية ظهور ميليشيا الدعم السريع. كانت تسمى بـ “الجنجويد”. وهذا المصطلح اختصاراً لجملة “جن يمتطي جواداً”. وهذه العبارة كانت محببة لأفراد الميليشيا. كونها تشير إلى بطشهم. إضافةً لكونهم يعتمدون على الجمال والأحصنة والسيارات رباعية الدفع. وهو ما منحهم القدرة على الوصول لأي منطقة مهما كانت وعرة.
اعتمد الرئيس المعزول عمر البشير على ميليشيا “الجنجويد” لإخضاع معارضيه وضبط حدوده. وبهدف منح الميليشيا صفة قانونية تم إصدار قانون في عام 2013م بتبعيتها إلى جهاز الأمن والمخابرات. وهنا تم تسميتها بـ”قوات الدعم السريع”. وفي عام 2016م تم تحويل تبعيتها لتصبح تابعةً لرئاسة الجمهورية.
في عام 2019م تم تعديل مادة في نظامها الداخلي. فتم حذف المادة المتعلقة بخضوعها لأحكام قانون القوات المسلحة. وهو ما عزز استقلاليتها عن المؤسسة العسكرية. كما مهد للصراع المستقبلي. كونه من الناحية العملية بات بموجب هذا التعديل جيشان في البلاد.
لا تتمتع قوات الدعم السريع بسمعة جيدة. فهي تواجه اتهامات عديدة. منها ارتكاب جرائم تطهير عرقي وإبادة جماعية. لكن لا يوجد إثباتات قانونية لهذه الاتهامات. وهذا ما يدفع قادة القوات للقول بأنها تهم سياسية لا أساس لها من الصحة.
يقدر عدد أفراد قوات “الدعم السريع” بـ 100 ألف مقاتل. وتسعى باستمرار لتجنيد المزيد وتسليح نفسها بعتاد حديث. وفي ذات الوقت ينظر ضباط الجيش السوداني لهذه القوات بازدراء. على اعتبارهم ميليشيا تضم أفراداً أميين. وهذه النظرة السلبية كانت بيئة مواتية للتوتر السياسي ولاحقاً العسكري.
تعمل قوات “الدعم السريع” حالياً تحت إمرة “محمد حمدان دقلو” المعروف بـ “حميدتي”. الحليف السابق لقائد الجيش السوداني الفريق أول “عبدالفتاح البرهان”.
كان الجيش وقوات الدعم السريع جبهةً سياسيةً واحدةً. خاصة في انقلاب عام 2021م. ولاحقاً وفي ظل مشروع دمج قوات الدعم السريع بالجيش ظهرت الخلافات بين الحليفين. فالجيش يطلب أن تكون مهلة الاندماج سنتين. بينما قوات الدعم السريع تطلب أن تكون 10 سنوات.
كما أن قيادة الجيش بعد الاندماج تعد قضية خلافية. فقوات الدعم السريع تقول بأن رئيس الجمهورية المدني هو قائد الجيش. وهذا ما يرفضه الجيش بالمطلق. ويقول بأن قيادة الجيش لا بد أن تكون من العسكريين.
تقول قوات الدعم السريع إنها سيطرت على القصر الرئاسي ومطارين دوليين أحدهما في العاصمة الخرطوم. ولكن قادة الجيش السوداني يرفضون تلك المزاعم. في وقت يحاول فيه الجيش استغلال قواته الجوية في السيطرة على مواقع “الدعم السريع”.
تشير التوقعات إلى قدرة الجيش السوداني على السيطرة على الوضع بفضل سلاحه الجوي. والذي يمكنه بشكل أفضل من الدفاع عن المواقع الثابتة. نظرًا لأن قوات الدعم السريع تقاتل تقليديًا في المناطق الريفية. فإن أفرادها ليسوا مدربين جيدًا للمعركة في المدن الحضرية مثل الخرطوم.
مع حصوله على النفوذ والثروة في السودان قام حميدتي بتوسيع نفوذه الإقليمي أيضًا. حيث نشر قوات في اليمن لتقاتل مع التحالف العربي وفي ليبيا أيضاً. وهو ما عزز من العلاقات الإقليمية لقوات “التدخل السريع”.
كما قام قائد قوات “الدعم السريع” بتعزيز تحالفاته الدولية. من خلال دخوله في أعمال تجارية مع مجموعة فاغنر الروسية. وفي عمليات تعدين الذهب والأمن في مناطق تعدين الذهب في السودان. كما أنه زار موسكو بعيد الحرب الأوكرانية وقدم عرضاً لموسكو لإقامة قاعدة بحرية على البحر الأحمر.
تواصل قوات “الدعم السريع” وزعيمها السعي وراء الحصول على الشرعية السياسية المحلية والإقليمية. حيث قام ببناء أسطول من المركبات المدرعة وحصلوا على طائرات بدون طيار. بهدف الحصول على دور رئيس في إدارة البلاد. حتى إنه استأجر شركات علاقات عامة في كندا والمملكة المتحدة لتحسين صورته في السودان وحول العالم.
من غير المتوقع أن ينجح حميدتي في الحصول على ما يريد. ولا يتوقع أيضًا أن ينجح قائد الجيش “البرهان” في السيطرة بالكامل على الأوضاع في السودان بعد تلك الاشتباكات العنيفة. ولكن المتوقع دخول السودان في مرحلة جديدة من الاضطرابات السياسية التي تعيد البلاد لسنوات بعيدة للخلف.