إعلان إيران وروسيا التخلص من نظام السويفت المالي يعد خروجاً بشكل رسمي من عباءة الدولار الأمريكي. ومن ثَم تقليل التأثيرات السلبية للعقوبات الاقتصادية المفروضة على البلدين. فما هو نظام السويفت؟ وماذا يعني هذا الخروج؟ وكيف يؤثر هذا القرار على الدولار؟
نظام سويفت مقره في بلجيكا. وهو عبارة عن نظام مراسلة مصرفي عالي الأمان. يتيح التحويلات المالية في جميع أنحاء العالم. ورغم أن العديد من الدول لديها أنظمة مراسلة خاصة بها. إلا أن معظم المعاملات العالمية لا تزال تتم عبر هذا النظام الغربي.
في العام الماضي تم فصل البنوك الروسية الكبرى عن الشبكة كجزء من العقوبات الاقتصادية الغربية المفروضة عليها. وهو ما أجبر روسيا على الترويج لنظام الدفع المحلي SPFS. الذي يسهل المراسلة المالية بين البنوك محلياً ودولياً. بمشاركة 131 كياناً أجنبياً من 15 دولة.
في الحقيقة قرار الدولتين بالخروج من نظام سويفت يعني خروجهما من عباءة سلة العملات العالمية. وأبرزها الدولار واليورو. بل واستبدال النظام بآخر يسمح لهما بالتداول بالعملة الوطنية لكل منهما بشكل مباشر دون وسيط. فيتم تحصيل ثمن الصادرات الإيرانية لروسيا بالريال. وثمن الصادرات الروسية لإيران بالروبل.
هذا القرار أيضاً يسمح بزيادة التبادل التجاري بين البلدين. من خلال إنشاء لجان استثمار مشتركة لتنفيذ مشروعات مختلفة في مجالات النفط والغاز والبتروكيماويات والأدوية. وغيرها من المجالات الأخرى. كما أنه بمثابة تحايل “مشروع” للدولتين اللتين تتعرضان لعقوبات أمريكية وغربية.
هذا بخلاف التقارب العسكري بين الدولتين. والذي يشهد ذروته هذه الأيام بقيام طهران بتزويد روسيا بطائرات مقاتلة من طراز (Su-35). وطائرات هليكوبتر هجومية من طراز (Mi-28). وطائرات تدريب الطيارين من طراز (Yak-130).
من المتوقع أن يفتح هذا القرار الباب لمزيد من التجارة الدولية والمعاملات الثنائية بين الدول بالعملات المحلية. بعيداً عن الدولار الأمريكي. وهو ما يقلل الطلب على العملة الخضراء. وهو ما يتوقع له الانتشار خلال الفترة المقبلة.
إضافةً إلى ذلك من المتوقع أن تكون هناك آلية بين روسيا وإيطاليا للتبادل التجاري بالعملات المحلية بحلول فبراير المقبل. كما ظهرت اتفاقيات أخرى بين إيطاليا والبنوك الأرمينية. للتحكم في المدفوعات بين البلدين بالعملات المحلية عبر البنوك المركزية.
كما أن وجود إيران وروسيا -وهما عضوان رئيسان بمنظمة البريكس- سوف يفتح الباب أمام مزيد من هذا التحول عن الدولار الأمريكي. ففي العام الماضي دفعت روسيا أرباح مشروعي سخالين 1 و2 النفطيين باليوان الصيني بدلاً من الدولار. والحال نفسه ينطبق على بعض التبادلات التجارية بينها وبين الإمارات.
من جهة أخرى يثير هذا القرار آمال دول البريكس في الخروج بعملة مشتركة تزيد من خيارات الدفع لديهم. وهو الاقتراح الذي تقدمت به البرازيل في قمة البريكس الماضية بجنوب إفريقيا. والذي يواجه صعوبات جمة. نظراً للفوارق الاقتصادية والسياسية والجغرافية بين أعضاء البريكس الأساسيين (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا) قبل إضافة أعضاء جدد مؤخراً.
صحيح أن هذا القرار يعد ضربة قوية للدولار. إلا أنها ليست قاتلة أو مؤثرة بشكل يهز ثقة العالم الموروثة منذ سنوات بالدولار الأمريكي. وإن كانت بادرة مقبولة لزعزعة تلك الثقة. فلا تزال الغالبية العظمى من المعاملات عبر الحدود التي تشمل أعضاء البريكس أو غيرهم تتم بالدولار.
ورغم انخفاض حصة الدولار في احتياطيات العملات الأجنبية الرسمية لأدنى مستوى لها منذ 20 عاماً عند 58% في الربع الأخير من عام 2022م. إلا أن عمليات التبادل بالعملات المحلية سواء بين أعضاء مجموعة البريكس أو بين الدول الناشئة الأخرى لا تزال تستخدم الدولار وسيطاً بينها. كما أن نسبة كبيرة من الديون العامة والخاصة في هذه الاقتصادات مقومة بالدولار.
في الواقع إن الاستقرار النسبي للدولار مقارنةً بالعديد من العملات الأخرى يجعله أكثر جاذبية كوسيلة للدفع في التجارة عبر الحدود. واستخدامه بهذا الشكل يجعله يعزز نفسه ذاتياً. وبالتالي يحافظ على دوره المهيمن على سوق التجارة. حيث يسيطر على 90٪ من معاملات الفوركس العالمية بنهاية 2022م.
في النهاية الأمر يلزمه عدد لا يحصى من المصدرين والمستوردين والمقترضين والمقرضين وتجار العملة في جميع أنحاء العالم. ليقرروا بشكل مستقل استخدام عملات أخرى غير الدولار. حتى تحدث الهزة المقصودة للدولار. ويبدأ في الانهيار. كما يحلم أعضاء البريكس.