توماس إديسون.. المخترع الأمريكي الشهير الذي أضاء العالم باختراعه المصباح الكهربائي.. لكنه قبل رحيله ترك لنا شركة عملاقة هي “جنرال إلكتريك”، والتي بقيت تصارع عوامل الفناء والإفلاس طوال 129 عامًا -أي: منذ تأسيسها وحتى اليوم- فكانت أكبر شركة أمريكية من حيث القيمة السوقية عقب الحرب العالمية وحتى نهاية التسعينيات.. والآن قيمتها السوقية (حتى 11 نوفمبر 2021م) 117.5 مليار دولار. وتحتل المرتبة الـ76 ضمن 500 شركة كبرى على مؤشر “أس أند بي”.
يتنوع إنتاج “جنرال إلكتريك” بين قطاعات محرّكات الطائرات؛ فهي ثالث أكبر شركة في العالم لمحركات الطائرات بعد “رولز رويس” و”برات أند ويتني”، ولمبات الإضاءة والطاقة والأدوات المنزلية والمال والأعمال والرعاية الصحية وحتى الترفيه والإعلام باستحواذها على الشركة المالكة لشبكة “أن بي سي” التلفزيونية في فترةٍ ما.
اشتهرت إدارة الشركة برفض التوجُّه العالمي نحو تخصُّص الشركات في مجال ما، على عكس غيرها من الشركات الأمريكية الكبرى مثل: شركة الاتصالات “إيه تي آند تي”، وشركة “دن آند برادستريت” للمعلومات والتحليلات. وفضّلت التنويع في إنتاجها بين قطاعات صناعية مختلفة.
إلا أنها اليوم لن تتمسك بهذا الرفض؛ فالشركة في عام 2023م لن تكون ذاك الكيان الضخم الذي نعرفه جميعًا، ويضمّ شركات متعددة المجالات. بل سيتم تفكيكها إلى ثلاث شركات مستقلة: شركة الرعاية الصحية، وستظل “جنرال إلكتريك” تملك نسبة 19.9% منها. وشركة للطاقة، وشركة ثالثة خاصة بصناعة محركات الطائرات.
وأما قطاع صناعة الأدوات المنزلية فباعته الشركة لشركة صينية، وذهب قطاع صناعة المصابيح الكهربائية لشركة أمريكية، وذهب قطاع الترفيه لشركة “كومكاست” التي استحوذت على “أن بي سي يونيفرسال”.
الخطوة الجديدة التي أقدم عليها المدير التنفيذي للشركة- لاري كالب- وأعلنها منذ أيام قليلة ليس لها دوافع مالية.. فأداء الشركة لا يزال يتسم بالاستقرار والنمو.. ولكن الإدارة رغبت في تجربة التوجُّه العالمي نحو مزيد من التخصُّص وقررت التركيز على قطاعات تصنيعية محددة.
المستثمرون في الشركة دعموا القرار الأخير بعد إعلانه؛ فارتفعت أسهمها بنحو 15%.. ولِمَ لا؟ وهؤلاء يطالبون إدارتها منذ سنوات طويلة بتفكيك الشركة، والتركيز على قطاع تصنيعي محدَّد وسط رفض مجلس الإدارة حتى مناقشة الأمر. ولكن الإدارة الجديدة اتخذت القرار أخيرًا.
تفكيك “جنرال إلكتريك” لثلاث شركات عالمية متخصِّصة في مجالات الرعاية الصحية والطيران والطاقة، وتركيز كلٍّ منها على قطاع واحد محدَّد سيتيح -في رأيي- أكبر استفادة ممكنة من رأس المال والتقنيات الفنية والتكنولوجية والاستراتيجيات الإدارية في تحقيق نمو طويل الأجل وقيمة مضافة كبرى للعملاء والمستثمرين والموظفين (174 ألف عامل وموظف في 130 دولة) على حد السواء، وفي الوقت ذاته يحافظ على الإرث التاريخي لـ”جنرال إلكتريك” ومؤسّسها توماس إديسون ويُنميه.