تواجه سريلانكا أزمة اقتصادية تعد الأقسى منذ استقلالها عام 1948م. وإن بدا الأمر ذا صلة بجائحة كورونا إلا أن الوجه الخفي في الأزمة يرجع إلى قرارات الحكومة التي لم تكن صائبة في أغلبها. وقد نتج عن هذه الأزمة نقص الغذاء والوقود وانقطاع تيار الكهرباء وارتفاع مستمر في وتيرة التضخم. إضافة لعجزها عن سداد فوائد ديونها الخارجية المستحقة والبالغة 78 مليون دولار. بينما تبلغ قيمة إجمالي الديون الخارجية 51 مليار دولار.
أدى النقص الشديد في العملة الأجنبية “الدولار” إلى دخول سريلانكا في نفق مظلم يخيّم عليه شبح الإفلاس. حيث أصبحت الجزيرة تقف عاجزة عن سد الاحتياجات الأولية لمواطنيها من أدوية وغذاء ووقود. وترجمت الطوابير الطويلة أمام محطات الوقود خوف المواطن السريلانكي من المجهول الذي ينتظر بلاده في ظل التخبط الذي يشهده اقتصادها. إضافة لإغلاق المدارس والمؤسسات الحكومية. ويخشى أن تكون أزمتها مقدمة لأزمة مالية في جنوب شرق آسيا.
يعتبر قطاع السياحة أحد مصادر الدخول الحيوية لـسريلانكا. إلا أن الهجمات الإرهابية التي ضربت البلاد في عيد الفصح عام 2019م. والتي أوقعت المئات ما بين قتيل ومصاب تركت أثرها على البلاد. خاصةً وأنها سبقت تفشي جائحة كورونا بشهور قليلة.
جدير بالذكر أن السياحة إلى جانب تحويلات المقيمين خارج البلاد والتي تضررت أيضاً بسبب الجائحة كانتا تُدِرّان دخلاً يساعد سريلانكا على سداد قيمة وارداتها من السلع الأساسية. وسداد الدّين الخارجي المقدّر بمليارات الدولارات.
كما لعبت القرارات الحكومية غير المدروسة دوراً خطيراً في قُرْب شبح الإفلاس من سريلانكا. وعجز الحكومة عن سداد ديون البلاد وتوفير الوقود والغذاء. فقبل هذه الانتكاسة الاقتصادية كانت الحكومة السريلانكية قد أعلنت أنها ستصبح أول دولة تتَّجه للزراعة العضوية بشكل كامل. وبناء على ذلك حظرت استيراد الأسمدة توفيراً للعملات الأجنبية. إلا أن قرارها أثار حفيظة المزارعين الذين رفضوا تطبيق قرارها.
سبَّب رفض المزارعين تطبيق القرار ارتفاعاً في أسعار الغذاء في البلاد. لتُجْبَر الحكومة على التراجع وإلغاء قرارها السابق واستخدام العملة الأجنبية مجدداً في استيراد الأسمدة. ما شكّل ضغطاً على احتياطيات البلاد. وهو ما ساهم في تعميق الأزمة.
يأتي هذا التخبط في قطاع الزراعة بعدما عانت البلاد عاماً كارثياً بسبب الجفاف عام 2016م. والتي كانت لا تزال في طور التعافي منه حتى أصدرت حكومتها هذه القرارات غير المدروسة.
تعد الضرائب أحد مصادر الدخل للدول. إلا أن سريلانكا اتجهت قبل جائحة كورونا إلى خفض الضرائب حارمة نفسها من إيرادات كانت تُشكل دعماً كبيراً لإنفاقها. ليأتي الوباء ليظهر الأثر السلبي لهذا القرار على البلاد.
فبين عشية وضحاها باتت البلاد تواجه مصيراً مظلماً بسبب هذا القرار وغيره من قرارات أظهرت عدم قدرة المسؤولين بها على التعاطي مع الأحداث المفاجئة مثل الجائحة والصراع الروسي الأوكراني.
من القرارات التي اتخذتها حكومة سريلانكا مؤخراً وظهرت نتائجها السلبية: قرار دعم الكهرباء والخدمات العامة الأخرى التي لم يستفد منها سوى الأثرياء. ما أنهك خزينة الدولة.
فبينما تُضاء شوارع الأحياء الأكثر ثراءً في العاصمة كولومبو تغرق باقي الأحياء في الظلام بسبب انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة يومياً. ما دفع المطاعم والمحال التجارية إلى اللجوء للشموع لاستمرار العمل ليلاً. في حين فضل البعض إغلاق محالهم بدلاً من ذلك.
مع حالة التخبط التي تشهدها سريلانكا جراء تفاقم أزمة ديونها وارتفاع وتيرة التضخم بات المعدن الأصفر “الذهب” هو المنقذ. فقد قُدرت مبيعات الأفراد منه خلال عام 2021م بنحو 7 أطنان وسط توقعات بأن يتم بيع حوالي 20% من الذهب هذا العام.
إلا أن عمليات البيع رافقها تراجع القدرة الشرائية بمقدار الثلث لأول مرة منذ سنوات قبل تفشي جائحة كورونا وتضرر قطاع السياحة على إثرها ما يعكس تأثير الأزمة الاقتصادية على مستوى الأفراد الذين كانوا يرون فيه أكثر أماناً من الأسهم.
بات الخيار الوحيد أمام قادة سريلانكا الآن تشكيل حكومة أزمة. خاصةً مع استمرار تخييم المتظاهرين خارج مقر إقامة الرئيس منذ التاسع من أبريل الماضي مطالبين باستقالته. لا سيما بعد مقتل 9 متظاهرين على الأقل في أعمال عنف الأسبوع الماضي.
يبدو أن البلاد تتجه لهذا الحل بعد توقف ثلاث سفن محملة بالوقود في المياه السريلانكية. ولا تستطيع كولومبو دفع ثمن حمولتها. ومن الحلول المتوقعة أيضاً التفاوض مع البنك الدولي لتخصيص جزء من الـ160 مليون دولار من المساعدات المقدمة لتحسين الرعاية الاجتماعية لسداد ثمن واردات الوقود.