مع اقتراب الحرب الروسية الأوكرانية من دخولها عامها الثاني لا تزال فرص الحل السياسي بعيدة. وعلى العكس من ذلك تبدو فرص تصاعد حدة الحرب مرتفعةً. لا سيما في ظل ارتفاع احتمالات استهداف أوكرانيا لشبه جزيرة القرم بدعم لوجستي غربي. الأمر الذي من شأنه تصعيد الصراع بشكل غير مسبوق. وهذا يطرح تساؤلات حول إمكانية استهداف شبه الجزيرة.
منذ قيام موسكو باحتلال شبه جزيرة القرم عام 2014م لم يعترف الغرب بضمها لروسيا. وبقي مصراً على أنها جزء لا يتجزأ من أوكرانيا. إلا أن هذا الموقف لم يتعد حدود الضغط السياسي والعقوبات الاقتصادية على موسكو. فلم يتم طرح فكرة دعم كييف عسكريا لاسترجاع شبه الجزيرة بالقوة. واستمر هذا الوضع بعد الغزو الروسي. فلم يتم طرح فكرة العمل العسكري لاسترجاعها.
مؤخراً يبدو أن الموقف الغربي وتحديداً الأمريكي بدأ بالتغير. فهناك طرح جديد يقوم على تقديم دعم عسكري لأوكرانيا لاستهداف شبه جزيرة القرم. فحتى اللحظة ما تزال غالبية الأسلحة الغربية المقدمة لأوكرانيا ذات طابع دفاعي. ولكن حالياً يتم الحديث عن تقديم أسلحة هجومية تمكن كييف من استهداف القرم.
التغيير الحاصل في السياسة الغربية عموماً والأمريكية على وجه الخصوص نحو شبه الجزيرة. يعود لرغبة واشنطن في بدء المفاوضات مع موسكو بشأن أوكرانيا من موقف قوة. فإذا تمكنت أوكرانيا من استعادة القرم. أو على الأقل تهديدها بشكل فعلي. فإن ذلك سيعزز موقف كييف في أي مفاوضات مستقبلية.
كما أن استعادة أوكرانيا لشبه الجزيرة سيؤدي لحرمان موسكو من الجسر البري الذي يربط شبه جزيرة القرم بروسيا. عبر مدينتي ميليتوبول وماريوبول التي تحتلها روسيا. وهو ما يعني إضعاف القوات الروسية في الداخل الأوكراني. بالإضافة إلى تشتيت القوات الروسية. والتخفيف من قصف المدن الأوكرانية.
تقع شبه جزيرة القرم بين البحر الأسود وبحر آزوف. وتوجد عشرات الآلاف من القوات والعديد من القواعد العسكرية الروسية. من بينها أسطول البحر الأسود. وقاعدة جوية رئيسية. ومراكز قيادة ومراكز لوجستية. حيث تمثل شبه الجزيرة نقطة تركيز عسكرية. وهذا ما يجعل استعادتها أمراً بالغ الصعوبة.
إضافةً إلى ذلك فإن موسكو تنظر لشبه جزيرة القرم على أنها أرض روسية. وكانت قد أكدت سابقاً أن أي استهداف للأراضي الروسية قد يدفعها لاستخدام السلاح النووي. كما أن الموقع الاستراتيجي للقرم يدفع موسكو للاستبسال في الدفاع عنها.
في الواقع تسعى واشنطن إلى تزويد كييف بمدرعات برادلي. وهي ناقلات جند مدرعة مزودة بمدافع قوية عيار 25 ملم وصواريخ موجهة يمكنها مواجهة الدبابات الروسية. والتي سوف تساعد كييف في قطع الجسر البري. كما يمكنها توفير غطاء جوي لأي تقدم بري للجنود الأوكرانيين.
بالطبع ستكون مدرعات برادلي الأمريكية إلى جانب الدبابات البريطانية والعربات القتالية المدرعة. التي وافقت فرنسا وألمانيا على إرسالها. قد تكون طليعة قوة مدرعة يمكن أن تستخدمها أوكرانيا في هجوم مضاد هذا الشتاء ضد روسيا في شبه جزيرة القرم.
كما تمتلك أوكرانيا أيضًا أنظمة صاروخية بعيدة المدى HIMARS التي قدمتها الولايات المتحدة. والتي يمكن للخطوط الأمامية استخدامها لضرب طرق الإمداد الرئيسية القادمة من شبه جزيرة القرم. بالإضافة إلى تدريب الجنود الأوكرانيين على تغيير طبيعة الخطط القتالية لتتلاءم مع الأسلحة والإمدادات التي يساهم بها الناتو.
من جهة أخرى عززت روسيا في الأسابيع الأخيرة التحصينات الدفاعية في وسط زابوريزهزهيا. وهي مقاطعة في جنوب أوكرانيا بالقرب من شبه جزيرة القرم. حيث تحتفظ روسيا بقوة عسكرية كبيرة.
على الرغم من الدعم اللوجستي الكبير الذي قدمه الغرب لأوكرانيا. إلا أن هناك مخاوف من أن مثل هذه الخطوة قد تدفع بوتين إلى الانتقام برد تصعيدي. ولكن على كل الأحوال فمجرد شعور روسيا أن شبه جزيرة القرم في خطر سوف يعزز ذلك جزئيا من موقف أوكرانيا في أي مفاوضات مستقبلية. وهو الهدف الأمريكي الرئيس.
في الحقيقة من المستبعد أن تنتقل المعارك إلى شبه جزيرة القرم. وقد يكون التصريح بنية أوكرانيا مهاجمتها كافياً لتحريك المسار السياسي. فكل أطراف الحرب تدرك أن توسعة نطاق الحرب قد يخرجها عن السيطرة. ويحولها لحرب عالمية. وهو ما لا ترغب به كل الأطراف.