تدرك فرنسا ومن خلفها أوروبا أن الصين كفة دولية راجحة. لا سيما في ظل التوتر الدولي غير المسبوق. وفي ظل الحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتها السياسية والاقتصادية. إضافةً للضغوط الاقتصادية التي يواجهها العالم متمثلة بأزمة التضخم والأزمة المصرفية. وهو ما يعطي زيارة ماكرون للصين بُعداً دولياً.
يقوم ماكرون بزيارة الصين ليس بصفته رئيساً لفرنسا فقط. بل كممثل عن الاتحاد الأوروبي. فهو يخاطب الصين بلسان الاتحاد الأوروبي. وهذا الطرح يدعمه لحاق أورسولا فون دير لاين رئيسة المفوضية الأوروبية ماكرون إلى بكين وانضمامها إلى المباحثات الرسمية. وهو ما يؤكد أن القمة الفرنسية الصينية يمكن وصفها بقمة أوروبية صينية.
في الحقيقة تهدف زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الصين لتحقيق جملة من الأهداف الاقتصادية. أولها تنشيط العلاقات الاقتصادية بين البلدين. خاصةً أنها تراجعت بحدة بعد جائحة كورونا. فماكرون اصطحب معه رؤساء 60 شركة فرنسية. ويسعى لتشجيع الصين على الاستثمار في فرنسا وأوروبا. وتسهيل دخول الاستثمارات الأوروبية إلى الصين.
من جهة أخرى تدرك فرنسا جيداً ومن خلفها أوروبا أنه ليس بإمكانها مواجهة التبعات الاقتصادية للحرب الأوكرانية بمفردها. فهي تحتاج لدعم الولايات المتحدة الأمريكية. وهو ما يبقيها رهينة الدعم الأمريكي. وتدرك أن العقوبات الغربية على موسكو بإمكان بكين التخفيف من حدتها في حال تنشيط تعاونها الاقتصادي مع موسكو.
بالطبع الاقتصاد الصيني العملاق يعد كفةً راجحةً. وبإمكانه إحداث تغيير واضح في أي صراع اقتصادي. ولذلك تسعى باريس للتفاوض مع بكين وإقناعها بعدم زيادة مستوى الدعم الاقتصادي المقدم لموسكو. خاصةً أن التبادل التجاري الروسي الصيني شهد انتعاشاً في عام 2022م ليتجاوز عتبة 100 مليار دولار.
لكن في ظل الضغوط الاقتصادية التي تواجهها أوروبا تبدو الصين شريكاً اقتصادياً فعالًا لتقديم الدعم الاقتصادي. خاصةً أن أوروبا تحتل المرتبة الثالثة في الشراكة الاقتصادية مع الصين. فبلغ التبادل الاقتصادي بين الطرفين عام 2022م ما يقارب 900 مليار دولار. ويسعى الاتحاد الأوروبي لزيادة هذا الرقم إلى تريليون دولار عام 2023م.
كما تشكل قضية حظر الغرب لتطبيق تيك توك الصيني تحدياً للصين. وهو ما قد يدفع الصين لردات فعل اقتصادية تزيد من تعقيد المشهد الاقتصادي في أوروبا. لذلك يسعى ماكرون لمفاوضات مع الصين حول التطبيق. والطلب من بكين العمل على ضمان عدم وجود نية تجسس من خلال التطبيق.
بالإضافة إلى ذلك تشمل أهداف الزيارة التفاوض مع الصين لبيعها طائرات إيرباص. والتفاوض معها حول قضية الحظر الأوروبي للتكنولوجيا الحساسة. والتي تمنع الصين من الحصول على المدخلات الرئيسة للوصول لتلك التكنولوجيا.
في الحقيقة قد تكون الأهداف السياسية للزيارة هي الأبرز. لا سيما أن بكين هي الجسر الوحيد بين أوروبا وروسيا. حيث يلعب ماكرون هنا دور الوسيط بين الغرب وروسيا من خلال وسيط آخر وهو بكين. بهدف الضغط على روسيا للموافقة على الدخول بمفاوضات فعلية لإنهاء الحرب.
من ناحية أخرى تخشى أوروبا من توجه بكين لتقديم دعم عسكري مباشر أو غير مباشر لموسكو. هذا على الرغم من نفي بكين المتكرر لهذا الأمر. وتدرك أوروبا أن دعم الصين لروسيا من شأنه تعقيد الوضع. لذلك تسعى للتفاوض مع الصين وضمان حياديتها في هذا الصراع.
في النهاية من المبكر الحديث عن نتائج الزيارة. فالأشهر القليلة القادمة من شأنها توضيح مدى نجاح الزيارة. وقدرتها على تخفيف الفتور في العلاقة الأوروبية الصينية.