عندما نَتَحدّث عن #التَّمْكين_الاقْتِصاديّ، فالمَقصُود هو تِلكَ البَرامِج الّتي من شَأْنِها تَحْويل اللّاجِئين من مُسْتَحِقِّين للمُساعَدة إلى دافِعي ضَرائِب

تَقُوم فَلْسَفة #التَّمْكين_الاقْتِصاديّ على إِدْخال المُمَكَّن لَهُم في #الدَّوْرة_الاقْتِصاديّةِ، ونَقْلهم من خانة تَلَقِّي المُساعَدات إلى المُشارَكة الحَقيقيّة في التَّنْمية الاقْتِصاديّةِ، ولَكِن ما هي الطُّرُق الَّتي يُمْكِن من خِلالها تَطْبيق بَرامِج التَّمْكين الاقْتِصاديّ لِلّاجِئين السُّوريّين.

لا بُدّ قَبْل البَدْء في تَطْبيق الآليّات التَّنْفيذيّة لِبَرامِج #التَّمْكين_الاقْتِصاديّ من الفَهْم الدَّقيق لهذا المَفْهُومِ، ولا بُدَّ من التَّمْييز بين التَّمْكين وبين المُصْطَلَحات الرَّديفةِ، كالتَّوْظيف والمُشارَكة وغَيْرِها، فالاعْتِقاد بِأَنّ التَّمْكين الاقْتِصاديّ لِلّاجِئين السُّوريّين يَتَمَثَّل في تَأْمين وظائِف لَهُم يُشَكِّل فَهْمًا مَغْلُوطًا، ولا بُدّ أَن يَنْعَكِس سَلْبًا على المُخْرَجات المَرْجُوّة.

تُشَكِّل #المَشاريع_الصَّغيرة والمُتَناهية الصِّغَر الوَسيلة التَّنْفيذيّة الأَبْرَز في تَنْفيذ بَرامِج التَّمْكين الاقْتِصاديّ، فالمَشاريع الصَّغيرة أَثْبَتَت فاعِليّة عالِية في مُخْتَلِف دُوَل العالَمِ، النّامية والصِّناعيّة على السَّواءِ، وتُعَدّ حَلًّا حَقيقيًّا لِمُشْكِلَتَي #البِطالة و #الفَقْر، وهُما أَخْطَر المَشاكِل الَّتي تُواجِه #اللّاجِئين_السُّوريّين والحُكُومات الَّتي تَسْتَضيفهم.

تُمَثِّل #المَشاريع_الصَّغيرة في دُوَل جَنُوب شَرْق آسْيا رافِعة اقْتِصاديّة واجْتِماعيّة هامّة، فهي تُسْهِم ب 70% من النّاتِج المَحَلّيّ الإِجْماليِّ، إِضافةً لاسْتيعابِها 50% من اليَد العامِلة المَحَلّيّةِ، في #الأُرْدُنّ تُشَكِّل المَشاريع الصَّغيرة والمُتَوَسِّطة 98% من إِجْماليّ عَدَد المُنْشَآِت في المَمْلَكةِ، وتُوَظِّف 60% من القُوَى العامِلة المَحَلّيّةِ، وتُسْهِم ب 50% من النّاتِج المَحَلّيّ الإِجْماليّ.

وفي #الوِلايات_المُتَّحِدة_الأَمْريكيّة يُوجَد 30,2 مِلْيُون مُنْشَأة صَغيرة بما يُعادِل 99% من إِجْماليّ عَدَد المُنْشَآِت العامِلة في البِلاد، ويَتِمّ تَشْغيل 22 مِلْيُون مُنْشَأة منها دُون وُجُود أَيّ عامِلين باسْتِثْناء المالِكين، وتَسْتَوْعِب هذه المَشاريع نِصْف القُوَى العامِلة في البِلاد بنِسْبة 49,2% وتُوَفِّر وظائِف جَديدة سَنَويًّا بنِسْبة تُقارِب 65% من إِجْماليّ الوَظائِف الجَديدةِ، ما قَد يَصِل لِمِلْيُونيّ وَظيفة سَنَويًّا.

وهُنا لا بُدّ من التَّأْكيد على عَدَم جَواز اسْتِنْساخ التَّجارِب الدَّوْليّة والإِقْليميّة وإِسْقاطِها على اللّاجِئين السُّوريّين، فَلِكُلّ تَجْرِبة خَصائِصها، ولِكُلّ بيئة عَناصِرها الخاصّة، فمن المُهِمّ في #الحالة_السُّوريّة التَّرْكيز على #المَشاريع_الصَّغيرة ذات الصِّلة بالعَمَل الزِّراعيّ والإِنْتاجيّ البَسيطِ، والابْتِعاد عن المَشاريع الإِنْتاجيّة ذات المُسْتَوَى التِّقْنيّ المُرْتَفِعِ.

تُشَكِّل #حاضِنات_الأَعْمال بُعْدًا آخَرَ لِمَشاريع #التَّمْكين_الاقْتِصاديِّ، فحاضِنات الأَعْمال تُمَثِّل الإِطار الدّاعِم للمَشاريع الصَّغيرةِ، لا سيَّما من ناحِية التَّدْريب والإِرْشاد والخِدْمات الاسْتِشاريّةِ، ويَزْداد الاهْتِمام العالَميّ بِحاضِنات الأَعْمال نَتيجة فاعِليَّتِها المُرْتَفِعة، فَعَددها في العالَم أَكْثَر من 3,500 حاضِنةٍ.

ويُعْتَبرُ #التَّدْريب أَحَد رَكائِز #التَّمْكين_الاقْتِصاديِّ، ففي غياب التَّدْريب لا يُمْكِن أَن تُؤْتي بَرامِج التَّمْكين أُكُلها، إِضافةً إلى أَنّ بَرامِج التَّمْكين تَتَحَوَّل إلى خَسارة مادّيّة مُحَقَّقة في حال عَدَم وُجُود إِمْكانيّة تَدْريبيّة للمُمَكَّن لَهُم، ولا يَجِب أَن يَكُون التَّدْريب نَظَريًّا، بل عَمَليًّا، فيَعْتَمِد على المُشارَكة والتَّكْرار.

إِنّ بَرامِج التَّمْكين المُوَجَّهة للّاجِئين السُّوريّين يُمْكِن أَن تُعْطي نَتائِج إيجابيّة واضِحة، وذلك نَظَرًا لعِدّة مُعْطَيات، أَهَمُّها تَوافُر التَّمْويلِ، إِلّا أَنَّه مُوَجَّه للجانِب الإِنْفاقيّ، إِضافةً لوُجُود بيئة تَنْسيقيّة عالِية مُمَثَّلة في مَكاتِب #المُنَظَّمات_الإِنْسانيّة المَوْجُودة في مُخْتَلِف بيئات اللُّجُوءِ، كَما أَنّ إِنْتاجيّة اللّاجِئين تُعْتَبَر مُرْتَفِعة.

تُمَثِّل إِنْتاجيّة #اللّاجِئين العُنْصُر الأَهَمّ في رَكائِز #التَّمْكين_الاقْتِصاديِّ، وهذا ما تُؤَكِّدُه الدِّراسات، فوَفْقًا لدِراسة أَعَدَّها مَرْكَز نَشْرة الهِجْرة القَسْريّة التّابِع لجامِعة أكسفورد فَإِنّ #اللّاجِئين_السُّوريّين حَقَّقُوا لدُوَل اللُّجُوء مُجْتَمِعة زِيادة في النّاتِج المَحَلّيّ الإِجْماليّ عام 2018م 25 مِلْيار دُولار أَمْريكيّ إِلّا أَنّ اسْتِفادة اللّاجِئين من هذه الزّيادة كانَت مَحْدُودة بِسَبَب ظُرُوف العَمَل والاسْتِغْلال من قِبَل بَعْض أَرْباب العَمَلِ.

لا بُدَّ من التَّأْكيد على أَنّ بَرامِج #التَّمْكين_الاقْتِصاديّ لا تَحْمِل إِمْكانيّة الفَشَل أو النَّجاحِ، فالفَشَل بها سيُسَبِّب آثارًا سَلْبيّة قَد لا يَكُون من السَّهْل مَحْوها، لذلك وقَبْل البَدْء بهذه البَرامِج لا بُدّ من دِراسة النِّطاق ودِراسة خَصائِص البِيئة ودِراسة #الجَدْوَى_الاقْتِصاديّة والحِرْص على مُلائِمة هذه البَرامِج لِلّاجِئين.

إِنّ الفَشَل في بَرامِج التَّمْكين سَيُفْضي إلى نَتائِج سَلْبيّة أَهَمُّها تَراجُع مُسْتَوَى التَّمْويلِ، فالجِهات المانِحة قَد تُحْجِم عن الاسْتِمْرار في التَّمْويل في ظِلّ بَرامِج فاشِلة أو مُنْخَفِضة الفاعِليّة ويُصْبِح إِقْناعها بإِعادة التَّمْويل أَمْرًا عَسيرًا، مِمّا قد لا يَسْمَح بإِعادة التَّجْرِبة.

كما أَنّ الفَشَل في هذه البَرامِج سَيَقُود إلى تَراجُع ثِقة اللّاجِئين المُسْتَفيدينَ، كَوْن الفَشَل قد يُفْهَم من قِبَلهم على أَنَّه اسْتِهْتار من إِدارة البَرامِج بوَقْتِهِم أو اسْتِثْمارهم في تَجارِب اقْتِصاديّة، وبالتّالي قد يُصْبِح إِقْناعُهُم بإِعادة الانْدِماج في بَرامِج أُخْرَى أَمْرًا بالِغ الصُّعُوبةِ.

تقُود البَرامِج الفاشِلة أَيْضًا إلى تَعْزيز الاتِّكاليّة في بيئات اللُّجُوءِ، كَوْنها تُؤَدّي إلى قَناعة اللّاجِئين بِأَنّ العَمَل في ظُرُوف اللُّجُوء أَمْر غَيْر مُجْدٍ، وقَد يَقُودُهُم لِرِدّة فِعْل سَلْبيّة تُجاه قَضايا العَمَل والتَّمْكين بِشَتَّى أَشْكاله، وقَد يَقُودُهُم للمُغالاة في الاعْتِماد على المُساعَدات المُباشِرة ذات الطّابَع الاسْتِهْلاكيِّ.

إِنّ بَرامِج #التَّمْكين_الاقْتِصاديّ من شَأْنِها تَحْويل اللّاجِئين من مُسْتَحِقِّين للمُساعَدة إلى دافِعي ضَرائِب، إِضافةً لتَخْفيف العِبْء الاقْتِصاديّ عن دُوَل اللُّجُوءِ، ومُساهَمة اللّاجِئين في بَرامِج التَّنْمية الاقْتِصاديّة المَحَلّيّةِ، ولَكِنّ هذه المَنافِع لن تُؤْتي أُكُلها إِلّا إِذا سُبِقَت بدِراسات اقْتِصاديّة واجْتِماعيّة مُعَمَّقة مُعْتَمَدة على جَمْع بَيانات حَقيقيّة كَمّيّة ونَوْعيّة للفِئات المُسْتَهْدَفة.