على الرغم من عدم وضوح أمد نهاية الحرب في غزة إلا أن إسرائيل تعد حتى الآن أبرز الخاسرين. وذلك على المستوى العسكري والسياسي والأمني والاستراتيجي. إضافةً للخسارة السياسية للعديد من القوى الدولية وخسارة مكاسب أخرى. وحتى الآن وعلى الرغم من الخسائر البشرية الكبيرة تبقى القضية الفلسطينية أبرز الرابحين.
في الحقيقة لم تتمكن إسرائيل على الرغم من قصفها العنيف والمستمر على قطاع غزة من تحقيق أي انتصارات حقيقية. ولم تتمكن من تحقيق الأهداف التي أعلنتها. فلم تدمر البنية التحتية لحركة حماس. ولم تنه الوجود السياسي لها. ولم تنجح في الإفراج عن الأسرى. وبلغ عدد قتلاها أكثر من 1,600 قتيل. وهي الخسارة البشرية الأقسى منذ عدة عقود.
على المستوى الاقتصادي تعرضت إسرائيل لخسائر حادة. فتكاليف العملية العسكرية قبل التدخل البري بلغت أكثر من 6 مليارات دولار. وأما بعد التدخل البري فستتجاوز التكاليف 17 مليار دولار. أي: ما يعادل 3,5% من إجمالي الناتج المحلي الإسرائيلي. هذا في حال استمرت الحرب شهرين فقط. أما في حال استمرت ثمانية أشهر فستتجاوز 50 مليار دولار.
كما تضررت سمعة الجيش الإسرائيلي بشكل واضح. لا سيما على مستوى سمعة السلاح الإسرائيلي. فالقبة الحديدية لم تنجح في اعتراض كل صواريخ المقاومة. كما شهدت صورة الاستخبارات الإسرائيلية انتكاسةً كبرى بعد فشلها في توقع هجوم حركة حماس.
أما على المستوى الشعبي العالمي فقد خرجت العديد من المظاهرات حول العالم تندد بالعدوان الإسرائيلي على غزة. كما توترت الأجواء بين اليهود وغيرهم في العديد من دول العالم. فنجد إخلاءً لبعض المعابد اليهودية في الولايات المتحدة بعد تهديدات بوجود قنابل. وهو ما يصب في خانة خسائرهم أيضاً.
من جهة أخرى وعلى المستوى الرسمي هناك بعض الشركاء الدوليين قد يتراجعون عن دعم إسرائيل إذا تصاعد الصراع ليشمل الدول المجاورة. أو تسبب في أزمة إنسانية على نطاق واسع. ولعل تغير نبرة الولايات المتحدة من الدعم بلا حدود. إلى مطالبات بهدنة إنسانية مؤقتة. يشير لمثل هذا التراجع.
إن الخسارة الكبرى لإسرائيل هي توقف مسار التطبيع مع الدول العربية لمدة طويلة، وانتكاسة كبرى لمشروعها الساعي إلى الانخراط الرسمي والشعبي ضمن العالم العربي ومحيطها الجغرافي.
بالطبع حققت حركة حماس بالفعل بعض أهدافها. مثل وأد فكرة التطبيع بين العرب وإسرائيل. وأثبتت نفسها لاعباً سياسياً وعسكرياً رئيساً في المنطقة. وأن أي عملية سياسية لا يمكن أن تتم دون موافقتها أو الشراكة معها. والمكسب الأهم هو التأكيد على محورية القضية الفلسطينية. وأنها غير قابلة للحل بدون أخذ حقوق الفلسطينيين بعين الاعتبار.
على مستوى الخسائر الفلسطينية تعد الخسائر البشرية الأكثر خطورةً. فحتى الآن تجاوز عدد الشهداء الفلسطينيين عشرة آلاف شهيد. كما استشهد عدد من قيادي الحركة.
وفقاً للقياس الاستراتيجي فإن الخسائر التي يتحملها الفلسطينيون تعد أهون وأقل من الخسائر التي كانوا سيتحملونها لو استسلموا للمشروع الإسرائيلي. فالخسائر عندها لن تكون أقل من خسارتهم لوطنهم وقضيتهم ومستقبلهم.