يعد قانون الحد من التضخم الذي وافق عليه الكونجرس الأمريكي مؤخراً مادةً خصبةً للجدل الاقتصادي والسياسي. فالولايات المتحدة تدافع عنه وتقول بأنه لا يضر بأي شريك اقتصادي. وأنه موجه للسوق الأمريكي. وعلى الجانب الآخر ترفض دول الاتحاد الأوروبي هذا الطرح. وتقول بأن القانون يشكل تهديداً للصناعة الأوروبية.
يسعى قانون الحد من التضخم لعلاج التضخم. ولكن ليس بشكل آني. بل على المدى الطويل. فهو يقدم حوافز مالية وإعفاءات ضريبية للشركات العاملة في قطاع الطاقة البديلة. شريطة أن تكون تعمل على أراضي الولايات المتحدة الأمريكية.
يسعى القانون للحد من الاعتماد على النفط. من خلال دعم إنتاج الطاقة البديلة. وهو ما سيقلل على المدى الطويل من التضخم الناتج عن ارتفاع أسعار النفط. وفي ذات الوقت يسعى القانون لدعم سياسات المناخ. فهو يهدف للحد من انبعاث الغازات الدفيئة. ويعد القانون الأضخم من حيث المناخ. فقيمة الدعم وَفْقه تبلغ 430 مليار دولار.
انتقد بعض الأمريكيين القانون. ورأوا أن تسميته بقانون الحد من التضخم ليست دقيقةً. فتأثيره على التضخم سيكون محدوداً. ولكن تم اختيار هذه التسمية كون التضخم حالياً يعد الهاجس الأخطر بالنسبة للأمريكيين. فتسميته بقانون الحد من التضخم ستُكسبه مزيداً من التعاطف وترفع من احتمالات الموافقة عليه. وهذا ما حدث فعلاً.
ترى دول الاتحاد الأوروبي أن القانون يهدد شركاتها بشكل مباشر. كما ينتهك قوانين منظمة التجارة العالمية. فهو قانون حمائي. بمعنى أنه يقيد المنافسة الحرة. فبعد التخفيضات الضريبية والإعانات للشركات الأمريكية ستنخفض تكاليف الإنتاج لديها. وبالتالي ستكون أقدر على المنافسة. وهو ما يضر بالشركات الأوروبية التي لن تستطيع منافسة المنتج الأمريكي المدعوم.
من المتوقع أن يؤثر القانون بشكل سلبي على التجارة الدولية بين شرق الأطلسي وغربه. فمن المتوقع أن تتراجع الصادرات الأوروبية إلى الولايات المتحدة. كونها ستفقد أسواقها نتيجة عدم قدرتها على منافسة المنتج الأمريكي المدعوم بالتخفيض الضريبي والإعانات المباشرة.
كما أن تراجع حجم التجارة بين الولايات المتحدة وأوروبا لن ينسحب على كل المنتجات الأوروبية. فقانون الحد من التضخم يقدم دعماً للشركات العاملة في مجال الطاقة النظيفة. فتراجع التجارة بين أوروبا وأمريكا لن يكون عاماً. بل سيشمل قطاعات محددة مرتبطة بالطاقة النظيفة بالدرجة الأولى.
من جهة أخرى تخشى أوروبا أن يسبب القانون انتقال بعض الشركات ورؤوس الأموال من أوروبا إلى الولايات المتحدة. فالشركات الأوروبية ستواجه صعوبةً في التصدير لأمريكا. كونها لا تستطيع منافسة المنتج الأمريكي المدعوم. فانتقالها لأمريكا يتيح لها الاستفادة من المزايا الضريبية. كون قانون الحد من التضخم يمنح جميع الشركات العاملة على أراضي الولايات المتحدة إعفاءات بغض النظر عن جنسيتها.
فيما يتعلق بالإجراءات الأوروبية فإن أوروبا لا تقلق فقط من تراجع صادرات الشركات الأوروبية إلى أمريكا. لكنها تخشى أيضاً من انتقال بعض الاستثمارات من أوروبا إلى أمريكا طمعاً بالحوافز الضريبية. وهو ما يشكل ضغطاً حاداً على الاقتصاد الأوروبي المتعثر أساساً.
لا تستطيع أوروبا العمل بمبدأ المثل. كون اقتصادها لا يسمح لها بتقديم هكذا إعانات ضخمة. وهنا من المتوقع أن يتم التركيز على التفاوض التجاري. لا سيما أن الرئيس الأمريكي بايدن أعلن بعد الانتقادات الأوروبية أنه بالإمكان معالجة بعض الثغرات في القانون.
من غير المتوقع أن يؤدي القانون لحرب تجارية بين الولايات المتحدة وأوروبا. ففي ظل الحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتها الحادة على أوروبا. من غير المتوقع أن تقوم الإدارة الأمريكية بممارسة المزيد من الضغط على أوروبا المنهكة اقتصادياً. فهذا الأمر إن تم سيكون بمثابة الخدمة لموسكو التي ترغب بمزيد من الضغط على أوروبا.