يعد الدعم الاجتماعي الذي تقدّمه الحكومات للأفراد سياسة مشتركة بين غالبية الدول. وإن كان شكل الدعم ومستواه يختلف بين دولة وأخرى. ومن الملاحظ هنا وجود نمطين متباينين. وهما الدعم في ظل النظام الاشتراكي وفي ظل النظام الرأسمالي. وهذا التباين يحتّم ضرورة تحديد فاعلية الدعم في ظل هذين النظامين. والسؤال هنا: لماذا تختلف سياسة الدعم الاجتماعي بين النظامين الرأسمالي والاشتراكي؟
يعد الدعم الاجتماعي من أساسيات النظام الاشتراكي. ففي ظل سيطرة الدولة على غالبية مرافق الإنتاج. وفي ظل فرض قيود مباشرة وغير مباشرة على مستويات الدخول. وسياسة التوظيف الواسع تكون الدخول متوسطة ومائلة للانخفاض نسبياً. وهو ما يحتّم على الحكومات التدخل لرفع مستوى الدخول بشكل غير مباشر من خلال تقديم الدعم الاجتماعي.
يتمثل الدعم الاجتماعي في ظل النظام الاشتراكي بتقديم السلع والخدمات الأساسية بسعر يقل عن سعر التكلفة. وهذا يشمل المحروقات وحوامل الطاقة والمواد الغذائية. وتقديم الخدمات الصحية بأسعار زهيدة. وغالباً ما يقدّم الدعم لكل الأفراد بغض النظر عن مستوى الدخل. فالدعم عام لكل أفراد المجتمع.
يعد الدعم الاجتماعي دخيلاً على الفكر الرأسمالي. فهو يقوم في جوهره على عدم التدخل في اقتصاد الأفراد. وترك قوى السوق تعمل بحرية. ففي القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين كان المجتمع في ظل النظام الرأسمالي قائماً على تمايز طبقي واضح. وهو ما سبّب ما يُوصَف بالتوحش الاقتصادي.
يؤمن النظام الرأسمالي بأن تقديم الدعم الاجتماعي سيسبّب خللاً في العلاقات الاقتصادية. فالفقر المدقع والغنى الفاحش نتيجة طبيعية للعلاقات الاقتصادية. وأي تدخل لتعديل هذه العلاقة سيسبّب على المدى الطويل خللاً هيكلياً في الاقتصاد. فحاجة الفقراء للكسب هي الدافع للعمل. وفي حال تقديم الدعم لهم سيعزف البعض منهم عن العمل. خاصةً أن القوانين كانت في مصلحة أرباب العمل.
في النصف الثاني من القرن العشرين بدأت النظم الرأسمالية تقتنع بأهمية الدعم الاجتماعي. وذلك في ظل تصاعد قوى النقابات. وخوفاً من تصاعد النقمة الاجتماعية واحتمال أن تتسبب بأزمات سياسية. لذلك تم تقديم شكل من أشكال الدعم الاجتماعي غير المباشر. وهي تختلف عن شكل الدعم في النظم الاشتراكية.
تتركز مظاهر الدعم الاجتماعي في النظام الرأسمالي بالتأمينات الاجتماعية والتأمين الصحي وغيرها من الخدمات المماثلة. ولاحقاً وفي العقود الأخيرة تم إضافة خدمات جديدة تضمن رفاهية الأفراد. وتم تقديم بعض مظاهر الدعم المباشر ولكن ليس بدافع اجتماعي بقدر ما هي بدافع اقتصادي. وذلك بهدف تحفيز الطلب الكلي للخروج من الأزمات كما حدث في ظل أزمة الإغلاق الاقتصادي عقب أزمة كورونا.
يمكن وصف الدعم الاجتماعي المباشر بأنه سلبي. فهو يفسد ثقافة العمل. كما أنه يرهق الموازنات الحكومية. ويعد إنفاقاً استهلاكياً لا أثر له على القيمة المضافة. لذلك فنظام الدعم الاشتراكي يمكن وصفه بالسلبي. ونظام الدعم الرأسمالي يحافظ على تمايز طبقي واضح. وإن تراجع هذا التمايز مؤخراً بعد ظهور مفهوم المسؤولية الاجتماعية.
في الحقيقة إن غالبية الدول الاشتراكية لم تتمكّن من خلال الدعم الاجتماعي من تحقيق تغيير جذري في واقع المدعومين. فالمدعومون استمروا في حاجتهم للدعم. ولم تتحسّن أحوالهم الاقتصادية. كما أن عمومية الدعم ساوت بين المقتدر والمحتاج.
الدعم الاجتماعي الفعّال هو الدعم الإنتاجي. بحيث يتم العمل على إدخال الفقراء ودمجهم بالدورة الاقتصادية. من خلال تمكينهم اقتصادياً. وبهذا الشكل يقدم الدعم لمرة واحدة. وفي ذات الوقت يستفيد الاقتصاد بالكامل من خلال زيادة الإنتاج العام.
في النهاية إن الدعم الاجتماعي واجب على الحكومات. وهو من صلب العقد الاجتماعي. لكن الدعم حتى يكون فعالاً لا بد له من أن يكون بشكل سليم. ويبتعد عن تحفيز النزعة الاستهلاكية في المجتمع.