يُشَكِّلُ الاقْتِصادُ أَحَدَ العُلُومِ الاجْتِماعيّةِ الحَديثةِ نِسْبيًّا، وعلى الرَّغْمِ من حَداثَتِهِ النِّسْبيّةِ فَهو مَوْجُودٌ وُجُودَ الإِنْسانِ، فمُنْذُ ظُهُورِ أُولَى التَّجَمُّعاتِ الحَضَريّةِ سَعَى الإِنْسانُ لإِشْباعِ حاجاتِهِ المُتَزايِدةِ من خِلالِ مَوارِدِهِ المَحْدُودةِ، وفي القُرُونِ الأَخيرةِ ومع ظُهُورِ أَساسيّاتِ الاقْتِصادِ الكِلاسيكيّةِ وما تَبِعَها من نَظَريّاتٍ اقْتِصاديّةٍ ومع ظُهُورِ الأَنْشِطةِ الاقْتِصاديّةِ الواسِعةِ وظُهُورِ الشَّرِكاتِ باتَ عِلْمُ الاقْتِصادِ أَكْثَرَ تَعْقيدًا وأَشْمَلَ تَأْثيرًا.
وفي وقْتِنا الرّاهِنِ باتَ عِلْمُ الاقْتِصادِ من العُلُومِ الرَّئيسةِ الَّتي لا غِنًى عنها للدُّوَلِ وللشَّرِكاتِ وللأَفْرادِ، فهذا العِلْمُ بَلَغَ من الشُّمُولِ أَنَّهُ يَشْمَلُ كُلُّ مَناحي الحَياةِ وبدُونِ أَيِّ اسْتِثْناءٍ، فأَيُّ نَشاطٍ تِجاريٍّ أو صِناعيٍّ أو ثَقافيٍّ أو اجْتِماعيٍّ لَهُ عَلاقةٌ بعِلْمِ الاقْتِصادِ، فلا يُمْكِنُ تَوَقُّعُ وُجُودِ أَيِّ نَشاطٍ إِنْسانيٍّ بدُونِ وُجُودِ تَكاليفَ اقْتِصاديّةٍ لَهُ، وعلى المُسْتَوَى الفَرْديِّ تَتَعَدَّدُ الحاجاتُ البَشَريّةُ وتَتَشَعَّبُ المُتَطَلَّباتُ في ظِلِّ نُدْرةِ المَوارِدِ وشُحِّ المَداخيلَ، مِمّا يَضَعُ الفَرْدَ أَمامَ مُعْضِلةٍ تَتَمَحْوَرُ حَوْلَ أَوْجُهِ الإِنْفاقِ الواجِبِ المُفاضَلةِ عليها.
وَفي ظِلِّ هذا الواقِعِ العِلْميِّ لِلاقْتِصادِ بَرَزَت مَفاهيمُ اقْتِصاديّةٌ رَئيسةٌ كالطَّلَبِ والعَرْضِ والإِنْتاجِ والتَّكْلِفةِ والقيمةِ المُضافةِ والفُرْصةِ البَديلةِ والادِّخارِ والاسْتِثْمارِ والاقْتِصادِ الكُلّيِّ والجُزْئيِّ وسِعْرِ الفائِدةِ والتَّضَخُّمِ والرُّكُودِ وغَيْرِها من المَفاهيمِ الاقْتِصاديّةِ، وإلى جانِبِ هذه المَفاهيمِ تَتَعَدَّدُ المُؤَشِّراتُ الَّتي تَقيسُ وتُعَبِّرُ عن واقِعِ الاقْتِصادِ العالَميِّ، فعلى سَبيلِ المِثالِ تَتَوارَدُ الأَنْباءُ حَوْلَ تَغَيُّراتٍ عالَميّةٍ ومَحَلّيّةٍ في قيمةِ سِعْرِ الفائِدةِ إِضافةً لِلتَّذَبْذُباتِ في سِعْرِ حَوامِلِ الطّاقةِ من غازٍ ونِفْطٍ وتَغَيُّراتٍ في سِعْرِ الذَّهَبِ وقِيمةِ العُمُلاتِ المَحَلّيّةِ، ناهيكَ عن تَأْثيرِ الأَحْداثِ الاجْتِماعيّةِ والسّياسيّةِ والصِّحّيّةِ على واقِعِ الاقْتِصادِ العالَميِّ، كتَراجُعِ غالِبيّةِ الأَسْهُمِ والمُؤَشِّراتِ العالَميّةِ في ظِلِّ تَفَشّي وباءِ كُورُونا، وفي وقْتٍ لاحِقٍ تَراجَعَت أَسْعارُ الذَّهَبِ في البُورْصاتِ العالَميّةِ في ظِلِّ الأَنْباءِ عن اكْتِشافِ لَقاحاتٍ لِفَيْرُوسِ كُورُونا، فَمَا العَلاقةُ بَيْنَ هذه الأَحْداثِ، وكَيْفَ تُؤَثِّرُ على واقِعِ الاقْتِصادِ المَحَلّيِّ، وهل لهذه الأَحْداثِ تَأْثيرٌ على اقْتِصادِ الأَفْرادِ.
أَهْدافُ الدَّوْرةِ
تَهْدِفُ هذه الدَّوْرةُ إلى التَّعْريفِ بِأَهَمِّ المُصْطَلَحاتِ والمَفاهيمِ الاقْتِصاديّةِ، والعَلاقةِ التَّبادُليّةِ بين هذه المَفاهيمِ، وتَحْديدِ الأُسُسِ المَطْلُوبةِ واللّازِمةِ لفَهْمِ الاقْتِصادِ العالَميِّ والمَحَلّيِّ والفَرْديِّ، لا سيَّما أَنَّ العَلاقاتِ الاقْتِصاديّةَ بَلَغَت دَرَجةً من التَّعْقيدِ باتَ معها فَهْمُ العَلاقاتِ الاقْتِصاديّةِ أَمْرًا بالِغَ الصُّعُوبةِ.
ففي هذه الدَّوْرةِ سَيَتَعَرَّفُ المُشارِكُونَ بها على أَهَمِّ المَفاهيمِ الاقْتِصاديّةِ، وعلى طَريقةِ فَهْمِ الاقْتِصادِ أو كما يُسَمَّى الطَّريقةَ الاقْتِصاديّةَ في التَّفْكيرِ، وتَحْليلِ القَراراتِ من وُجْهةِ نَظَرٍ اقْتِصاديّةٍ، ودِراسةِ التَّوَقُّعاتِ المُحْتَمَلةِ لاتِّجاهِ الاقْتِصادِ في ضَوْءِ المُعْطَياتِ الحاليّةِ.
وفيما يَلي أَهَمِّ أَهْدافِ هذه الدَّوْرةِ:
الفِئاتُ المُسْتَهدْفةُ من الدَّوْرةِ
مَحاوِرُ الدَّوْرةِ
ما الَّذي سيَسْتَفِيدُهُ المُشْتَرِكُونَ من الدَّوْرةِ؟
من المُتَوَقَّعِ أَن يَكُونَ المُتَدَرِّبُونَ في نِهايةِ الدَّوْرةِ على إِلْمامٍ تامٍّ بالمُصْطَلَحاتِ والمَفاهيمِ الاقْتِصاديّةِ، وأَن يَكُونُوا قادِرينَ على قِراءةِ وفَهْمِ المُؤَشِّراتِ الاقْتِصاديّةِ وتَحْديدِ اتِّجاهِها العامِّ، وتَأْثيرِ المُؤَشِّراتِ الدَّوْليّةِ على الاقْتِصادِ المَحَلّيِّ الكُلّيِّ والجُزْئيِّ.
ولذا يُتَوقَّعُ من المُشارِكينَ بَعْدَ انْتِهاءِ الدَّوْرةِ أَنْ يَكُونُوا قَادِرينَ على: